لطالما كان التوازن بين العمل والحياة معضلة تواجه جميع المهنيين. إلّا أنّ تشجيع الشركات لموظفيها على التوازن بين العمل والحياة الشخصية أمرٌ لا بدّ منه لتجنب تعرض الموظفين للإرهاق وزيادة الإنتاجية ورفع معنويات الموظفين وولائهم. ومع زيادة شعبية استراتيجيات العمل المرنة نتيجة للتطور التكنولوجي في مكان العمل، بدأت الشركات بأخذ فكرة العمل لأربعة أيّام أسبوعيًا بعين الاعتبار.
أصبح مفهوم العمل لمدة 4 أيام أسبوعيًا سائدًا في هذه الأيام مع تزايد اعتماد الشركات على أسلوب العمل الجديد هذا، وتعتبر شركة WonderEight إحدى الشركات التي تتّبع هذا الأسلوب.
ولكن، عندما يتعلق الأمر بأسبوع العمل الذي يستمر أربعة أيام، فإنّ السؤال الذي يتم طرحه عادةً "هل هذا أسبوع عمل حقًا؟". فيما يلي مقابلة مع المدير الإبداعي مؤسس شركة WonderEight، يتحدث فيها عن تجربة الشركة مع اعتماد أسلوب العمل لمدة أربعة أيّام أسبوعيًا والتي بدأتها الشركة في مارس 2019.!
إليكم المقابلة الحصرية مع وليد نصر الله من WonderEight. نتمنّى أن تنال إعجابكم!
هل يمكنك أن تحدّثنا أكثر عن WonderEight؟
وليد: نحن وكالة تعمل مع شركات ترغب في تحدي عملائها والشركات التي تجرؤ على أن تكون مختلفة. من خلال الاستفادة من تنوعنا الثقافي، نقوم بالابتكار في مجال العلامات التجارية والاتصالات الرقمية. لدينا مكاتب في مواقع استراتيجية في بيروت ودبي والرياض ولندن، إذ نعتبر أنفسنا جسرًا بين العلامات التجارية الغربية والشرقية لخلق مفاهيم جديدة تناسب بيئتها، بالإضافة إلى تقديم أساليب جديدة للإبداع المشترك.
قمنا أنا وأخي بودي بتأسيس الشركة عام 1999، وانضم إلينا مؤخرًا كريم أبو رزق، إذ تجمع WonderEight مجموعة من المصممين المبدعين ذوي المهارات العالية ومطوري الويب وخبراء التسويق الذين يستمتعون ببيئة عمل مُصممة خصيصًا لدعم الإبداع والابتكار.
ما الذي ألهمك لاتّباع أسلوب العمل لمدة أربعة أيام أسبوعيًا؟
وليد: لقد كان قرارًا بديهيًا نتج عن الاتّجاهات الرائدة في سوق العمل في جميع أنحاء العالم وبشكل خاص في مجال عملنا. بفضل تطوّر طرق الاتصال، أصبح للتواصل الزائد عن الحاجة نتائج عكسية، إذ أنّنا نجد أنفسنا نعمل لساعات أكثر ومع ذلك نقوم بإتمام مهمّات أقل. فقد يصل بنا الأمر للعمل لمدة 8 أيام أسبوعيًا، ومع ذلك لا نتمكّن من إتمام مهامنا بنجاح. لذلك كان السبيل الوحيد هو أن نخرج عن المألوف ونقوم باتّباع حدسنا فيما بتعلّق بما هو أفضل للعمل.
هل أثّر تغيير عدد أيّام أسبوع العمل على إنتاجيتك؟
وليد: نعم. بشكل ايجابي.
ما هي مزايا أن يكون أسبوع العمل قصيرًا؟ ما هي أهم الأمور التي يجدها موظفوك مفيدة؟
وليد: العديد من الأمور في الحقيقة، أهمّها تحقيق نتائج أكثر تنظيمًا موجّهة نحو الأهداف التي تمّ وضعها، ممّا يؤدي إلى تقليل احتمالية التجربة والخطأ وبالتالي تقليل القلق والإجهاد. من ناحية أخرى، يتمتعون بوقت فراغ أكثر في القيام بما يحلو لهم أو قضاء وقت أطول مع عائلاتهم. ببساطة، أصبح الموظفون الآن يستمتعون بالحياة!
ما هو التحدي الأكبر الذي واجهتموه خلال تخطيط وتنفيذ هذا المشروع الجديد؟ حول ماذا كنتَ قلقًا في البداية؟ هل تعتقد أنّ أسبوع العمل الأقصر والأكثر ضغطًا يمكن أن ينجح في جميع قطاعات العمل والإدارات التنظيمية؟
وليد: كان التحدي الأكبر هو اتخاذ جميع التدابير للتأكد من أنها لن تؤثر على إنتاجية الشركة وأرباحها والأهم من ذلك على جودة العمل. كنت قلقًا أن يؤثر هذا الأمر على الفريق، أي أن يؤدي هذا النظام الجديد إلى مزيد من الضغط والإجهاد وفي النهاية إلى نتائج عكسية تمامًا. من الواضح أنّ نموذج الأسبوع الأقصر هذا لا يمكن أن يصلح لجميع قطاعات العمل.
هل عرضت نموذجًا تجريبيًا على موظفيك قبل البدء بتنفيذ النظام؟
وليد: بعد أربعة أشهر من التخطيط، حدث التنفيذ الكامل بين عشيّة وضحاها تقريبا ولكن تم الاتفاق على أن هذا النموذج سيكون تجريبيًا في حال اكتشفنا أنّه غير مناسب لسبب ما. إلّا أنّنا سرعان ما اكتشفنا أنّ هذا النظام مناسب وظهرت نتائجه الإيجابيّة خلال أوّل شهر تجريبي..
كيف تقيس مدى رضا الموظف ومشاركته؟ وهل تغير منذ تطبيق هذا النظام الجديد؟ وهل يعتبر أسبوع العمل الأقصر فعالاً حتى لو بقيت إنتاجية الموظف كما هي من قبل؟
وليد: من المقاييس التي قمنا باتّباعها هي الإحصائيات ونماذج الأسئلة التي كنّا نقوم بها لمعرفة آراء الموظفين. لقد فوجئنا برؤية أنّ مستوى الإجهاد والقلق قد انخفض قليلاً على سبيل المثال. لوحظ أيضًا أنّهم أكثر سعادة الآن إذ أنّهم يستطيعون تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة. أما بالنسبة للإنتاجية، فقد ارتفعت وحتى لو لم ترتفع، فبالتأكيد سنعتبر هذا النظام ناجحًا إذ أنّ جودة العمل ارتفعت كذلك، وفي قطاع عملنا، هذا يعني المزيد من الإبداع، وهذا هو أهم ميزة في مجال الإعلان والتصميم.
هل ساهم أسبوع العمل الأقصر في جذب الكفاءات إلى شركتك؟ وكيف أثّر ذلك على عملية تأهيل وتدريب الموظفين الجُدُد؟
وليد: من البديهي أنّ نظام أيّام العمل الأقل يعتبر أمرًا جذابًا بالنسبة للعديد من المهنيّين ويساهم في الاحتفاظ بهم لفترة أطول، إلّا أنّ هذا الأمر لم يكن هدفنا منذ البداية، إذ أنّ هذا النظام قد لا يُعجب الكثر من المهنيين بل فقط أولئك المهتمين بالكفاءة والنمو الشخصي المستمر. وأمّا بالنسبة لتأهيل الموظفين الجُدُد، تحدث العمليّة بسهولة وسلاسة طالما أنّنا نقوم بتوصيل ثقافة الشركة بشكل صحيح من البداية، لذلك حتى الأشخاص الذين ينتمون إلى خلفيات وأنظمة عمل مختلفة تمامًا لديهم الدافع لكي ينجح هذا النظام ولكي يحصلوا على الفرصة للتعلّم من أقرانهم.
هل تتبنى شركتك أشكالًا أخرى من العمل المرن؟ إلى أي مدى أثّر وجود أسبوع عمل قصير على التوازن بين العمل والحياة عند موظفيك؟
وليد: إنّ طبيعة عملنا تعتبر أكثر مرونة مقارنةً مع الأنظمة التي تتبعها الشركات الأخرى؛ إذ أنّنا لا نُلزم الموظفين بارتداء ثياب معيّنة، أو الحضور بوقت معيّن. هذا النموذج يسعى إلى تحقيق التوازن بين العمل والحياة، لذا نعم فقد أثّر إيجابًا على الفريق بشكل كبير.
كيف تغيّرت عمليات إدارة الكفاءات في شركتك؟ هل أثرت إعادة الهيكلة الجديدة على الرواتب بأيّ شكل من الأشكال؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فهل فكرت في زيادة ساعات العمل اليومية لتعويض يوم العمل الضائع؟
وليد: في الحقيقة، نحن لا نقوم باتّباع إجراءات موارد بشرية صارمة، لذلك لم يتغير أي شيء رئيسي، ومع ذلك فإنّنا ننقل الثقافة باستمرار من خلال مناقشات مفتوحة وتبادل الأفكار حول النظام الجديد والتحديات التي قد يواجهها البعض من أجل دعمهم والتعلم من بعضهم البعض. كما أنّ الرواتب لم تتأثر على الإطلاق، إذ أنّ الموظف يتلقّى أجر 5 أيّام عمل، وساعات العمل لم تزداد، بل على العكس. إنّ العمل لساعات عمل إضافية غير مُحبّب بالنسبة لنا، ونفضل أن يغادر الأشخاص في الوقت المحدد.
ما هي النصيحة التي تقدمها للشركات التي تتطلع إلى اتّباع هذا الأسلوب العالمي الجديد؟
وليد: يجب عدم إساءة تفسير أيام العمل الأربعة على أنها أسبوع "مضغوط"، بل يجب النّظر إليه بعقلية منفتحة، والسعي للعمل بطريقة أكثر تنظيمًا مع نظام تواصل أفضل من أجل أن يصبح الفرد أكثر "كفاءة" مما يؤدي إلى بذل المزيد من الجهد في وقت أقل. يمكن تحسين كل شيء وجعله أكثر فعالية خاصة مع كل وسائل الراحة والتكنولوجيا التي لدينا اليوم، لذلك ليس هناك سبب لعدم إعادة التفكير في الأساليب والطرق المُتّبعة في عملنا.