يقول كونفوشيوس: "اختر عملاً تحبه ولن تضطر للعمل يوماً واحداً في حياتك." وتُعتبر هذه المقولة مُلهمة للعديد من الأشخاص حول العالم الذين يبحثون عن وظائف يحبونها فعلاً، ولكن هل إيجاد وظيفة تحبها هو بهذه السهولة؟ وما هي العوامل التي تجعل الوظيفة مثالية؟ هل هي طبيعة الوظيفة، أم قطاع العمل، أم القيمة الإيجابية التي تُضيفها إلى المجتمع؟ لنفترض أنك شغوف جداً بالكتابة والأدب، وتخرجت من الجامعة بدرجة في الأدب واللغات، وتمتلك شغفاً كبيراً لهذا المجال، وتشعر بالدافعية الكبيرة للبدء في العمل فيه.
قد تنجح في الحصول على وظيفة بعد التخرج ببضعة أشهر كمعلم أدب في مدرسة وبراتب جيد كبداية، مما سيتيح لك متابعة شغفك تجاه الأدب واللغات، واستغلال معرفتك لتطوير العديد من الطلاب. ولكن هل تكفي جميع هذه العناصر لجعل هذه الوظيفة مثالية؟ أضف إلى السيناريو السابق أن مديرك المباشر يتمتع بأسلوب مستفز وغير مريح، ولا تستطيع معرفة ما الذي يفكر به، والتعليقات والملاحظات التي تتلقاها غير واضحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المدرسة التي تعمل بها لا تمتلك تكنولوجيا متطورة مثل الألواح الذكية، وعليك الاعتماد بشكل كبير على الطرق التقليدية في التدريس، كما أن بيئة العمل تفتقر إلى التنوع، وتمتلئ بأشخاص يمتلكون التفكير نفسه. والسؤال هنا هو: هل الوظيفة المثالية يتم تحديدها بناءً على الوظيفة وحدها أم بناء على عوامل أُخرى؟
في الحقيقة، إن امتلاك شغف للوظيفة أو العمل الذي تقوم به هو أمر غير كافٍ، ومستوى الرضا الذي تمتلكه تجاه وظيفة ما لا يعتمد على مهام العمل، أو الراتب، أو مجال العمل فقط. فالعامل الأبرز الذي نتحدث عنه هنا هو بيئة العمل، فكيف يمكن لبيئة العمل أن تؤثر على رضاك حول وظيفتك؟ وما هي أبرز العوامل التي تُشكّل بيئة العمل المثالية؟
للإجابة على هذه الأسئلة، سنقتبس بعض النقاط من استبيان أجراه بيت.كوم مؤخراً بعنوان "مكان العمل المثالي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2018". تبحث هذه الدراسة في العلاقة بين بيئة العمل والرضا الوظيفي، إلى جانب تحديد العوامل الرئيسية التي تدفع الموظفين والباحثين عن عمل للبقاء مدة أطول في الشركة ذاتها.
1. أسلوب إبداعي
إحدى الجوانب التي ركزّت عليها الدراسة هي العوامل التي يعتقد الموظفون والباحثون عن عمل بأنها هامة للغاية في بيئة العمل، والتي تتنوع كثيراً، فعلى سبيل المثال، قد تكون بيئة العمل جميلة جداً من ناحية الديكور، ولكن في نفس الوقت قد تكون تقليدية جداً ولا يوجد بها مكان للإبداع، ويمتلك جميع الموظفين نفس الخلفية الاجتماعية والثقافية، ولا يوجد بها تنوّع كافٍ. لنرى كيف عبّر المشاركون في الاستبيان عن آرائهم حول هذا الموضوع.
سواء كانت بيئة العمل تُشجّع الإبداع والابتكار أم لا، لا يختلف شخصان على أهمية هذه العناصر. ومن الأمور التي تفتقرها بيئة الشركات هي عدم وجود العديد من الخيارات التي يمكنك اتخاذها فيما يتعّلق بتغيير بيئة العمل بشكل ايجابي. تخيّل نفسك تجلس في اجتماع تناقش تسويق الفعالية السنوية، وتمتلك أفكاراً مبدعة وجديدة ولكن لا يتقبلها الأشخاص الموجودين في الاجتماع، ويُفضلون البقاء على أفكارهم التقليدية، وهو أمر محبط جداً. ووفق الدراسة، يرى 81% من الأشخاص في الشرق الأوسط أن تشجيع الابداع والابتكار هو عامل هام في بيئة العمل. ويرتفع عدد الأشخاص الذين يعتقدون ذلك في المغرب (87%)، والأردن (85%)، ولبنان وتونس (83%).
أما بالنسبة لمدى دعم بيئة العمل للابداع وتشجيع الابتكار، فيرى 30% من المجيبين أن بيئة عملهم تشجع ذلك. وترتفع نسبة الموظفين الذين يعتقدون ذلك في قطر (43%)، والإمارات العربية المتحدة (37%)، والبحرين (36%).
2. لمسة شخصية
من العوامل المهمة الأُخرى هي ديكور وترتيب المكتب، فقد يساعد امتلاك مكتب منظم ومرتب بشكل جيد على إضافة لمسة جميلة إلى حياة الموظف نفسه. وعادةً ما تمنع الألوان الباهتة والمساحة الضيّقة الموظفين من امتلاك مساحة شخصية مخصصة وفقاً لرغباتهم وتفضيلاتهم، مما يجعلها يشعرون بعدم ارتياح، ويجعلهم لا ينتمون إلى مكان عملهم بالشكل المطلوب.
ويعتقد 71% من المجيبين أن تصميم المكتب وترتيبه هو أمر هام، وارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعتقدون ذلك في المغرب (77%)، والمملكة العربية السعودية (73%)، والجزائر (72%). وعند سؤال الأشخاص عن رأيهم في مدى روعة تصميم مكاتبهم وأماكن عملهم الحالية، قال أكثر من الربع (28%) أن أماكن عملهم تتمتع بتصميم جميل.
إلى جانب التصميم الخاص بالمكتب، من الجيد أن تستطيع وضع إطارات صور على مكتبك، ورسومات تُعبّر عن أمور تحبها، وأشياء شخصية تجعلك تشعر بأن المكتب يُعبر عنك بشكل أفضل. كما يمكن أن يساعد ذلك الموظفين على الشعور بأنهم في منزلهم، مما سيرفع نسبة انتمائهم لبيئة العمل بشكل أفضل. ولكن، قال 31% فقط من المجيبين أنهم يستطيعون تخصيص مكاتبهم بالطريقة التي يفضلون. وقد يبدو جميع ما ذُكِر مبالغ فيه، ولكن في نهاية المطاف فالموظف يمتلك عمل ويتلقى مقابل مادي، فما أهمية تصميم المكتب وبيئة العمل؟ هل يؤثر على اسم الشركة أو قيمها؟
يمكن لتصميم المكتب أن يعكس اسم الشركة والقيمة التي تقدمها، فعلى سبيل المثال، في حال كان صاحب العمل يركز كثيراً على التواصل ولكنه لا يفسح مجالاً للتواصل، فهذا يُعد تناقضاً. وفي الحقيقة، يرى 37% من المجيبين أن التصميم الداخلي للمكاتب يعكس قيم الشركة واسمها بشكل كبير. ومن الجدير في الذكر أن 56% من أصحاب العمل في الإمارات العربية المتحدة، و52% في قطر، و45% في البحرين قد بذلوا قصارى مجهودهم للتعبير عن شركاتهم من خلال التصميم الداخلي للمكتب. وأما بالنسبة لطريقة ترتيب المكتب المفضلة لدى الموظفين، فقد قال 27% من الموظفين أنهم يفضلون المكاتب المغلقة، في حين قال 22% أنهم يفضلون المكاتب المفتوحة.
3. أسلوب حياة مرن
خلال السنوات الماضية، لاحظنا أن الموظفين يفضلون خيار العمل عن بُعد. فعلى سبيل المثال، في استبيان بيت.كوم حول أساليب العمل المفضلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، قال تقريباً ثمانية من عشرة مجيبين أنهم يفضلون الشركات التي تُوفر خيار العمل عن بُعد. وطابقت هذه النتائح ما جاء في استبيان بيت.كوم حول مكان العمل المثالي، فقد عبر الموظفون عن أهمية القدرة على العمل عن بعد كخيار عمل مُتاح في الشركات. وعند سؤالهم عن أهمية المرونة، قال 57% من المجيبين أنه هام للغاية. وكانت النسبة الأعلى من هؤلاء الموظفين في لبنان (66%)، ثم المغرب (63%)، وقطر (63%)، والإمارات العربية المتحدة (63%).
وبالرغم من أهمية المرونة عند موظفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشعر 58% من المجيبين أن بيئة عملهم تفتقر لهذا العامل. وهناك العديد من الطرق التي تساعد على تشجيع المرونة واتباع طريقة إدارة حديثة، وهي أمور من شأنها العودة بالنفع على بيئة العمل بشكل عام. من المهم على أصحاب العمل إدراك أن العالم يتغير بشكل مستمر، ويتجه نحو نموذج مرن ويركز على الفاعلية بشكل أكبر من أي أمر آخر. فإذا كان الموظفون يستطيعون تقديم جهداً أكبر خارج بيئتهم المحصورة، فليس هناك حاجة لمنع المرونة وتوفير هذا الخيار للموظفين.
4. التنوّع مطلوب
من الأمور الهامة أيضاً هي التنوع في بيئة العمل، وهو ما اتفق عليه أغلب المجيبين في المنطقة (70%). وكما ذكرنا سابقاً، يعود التنوع بالنفع على بيئة العمل، وله الكثير من الآثار الإيجابية؛ فهو يساعد على تكوين وجهات نظر مختلفة في العمل، وهو ما رآه 74% من المجيبين في كل من لبنان والأردن، و72% في كل من المغرب، والجزائر، وتونس.
ولكن عند سؤالهم عن التنوع الحالي في بيئات عملهم، قال أكثر من ربع المجيبين (27%) أن بيئة عملهم تشجع التنوع. ويؤمن 37% من المجيبين في الإمارات العربية المتحدة، و35% في قطر، و30% في البحرين أن بيئات عملهم تشجع على التنوع. ومن الجدير بالذكر أن هناك العديد من الجهود المبذولة لتشجيع التنوع في بلدان المنطقة، كما يسعى بعض أصحاب العمل على توظيف أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب التركيز على توظيف كفاءات نسائية خلال السنوات الماضية.
5. قنوات اتصال مفتوحة
يُعد التواصل من العوامل الهامة في بيئة العمل، وهو الذي تقوم عليه الثقة بين أصحاب العمل والموظفين. وأظهر الرسم البياني من بيت.كوم حول أساليب التواصل في شركات الشرق الأوسط الذي نُشر في مارس 2017 أن الأغلبية الساحقة من المجيبين (91,4%) يفضلون العمل في وظائف يمكنهم بها التواصل بشكل مفتوح.
ويعتقد 80% من المجيبين في المنطقة أن التواصل بشفافية هو عامل هام جداً في بيئة العمل. وترتفع هذه النسبة في المغرب بشكل كبير (80%). ويرى 34% فقط من المجيبين أن شركاتهم تتواصل بشفافية مع موظفيها، ويُشير هذا الرقم إلى أن عدد كبير من الموظفين لا يستطيعون التواصل بشفافية في بيئات عملهم، ويجب إجراء بعض التغييرات. ويعتقد 47% من المجيبين في البحرين، و45% في قطر، و42% في الإمارات العربية المتحدة أن شركاتهم تحافظ على تواصل شفاف مع موظفيها.
وفي إطار التواصل والعلاقات في بيئة العمل، يعتقد أكثر من ربع المجيبين (27%) أن شركاتهم تشجع العمل ضمن فريق والنشاطات الممتعة. ويرتفع هذا الرقم في قطر (44%)، والإمارات العربية المتحدة (38%)، والبحرين (33%) مقارنةً ببلدان أُخرى في المنطقة. ومن الأمور الأُخرى الهامة في بيئة العمل هي الملاحظات والتعليقات، حيث يعتقد 81% من المجيبين أنها هامة للغاية، وهو ما برز خاصةً في الأردن والمغرب (85% في كل منها).
6. استخدم التكنولوجيا
نحن نعيش في عصر يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، والتي تسهل علينا أداء مهامنا اليومية بشكل كبير، وأكثر فعالية، وابداع أكبر. ولا تقتصر مساهمة التكنولوجيا على دور وظيفي واحد، بل تدخل في جميع الوظائف المختلفة. تخيل أنك تعمل على جهاز حاسوب قديم جداً، ولا يعمل بشكل جيد، فهذا الأمر سيكون غير فعال أبداً. وقال أكثر من ثمانية من عشرة مجيبين (83%) في المنطقة أن تشجيع استخدام التكنولوجيا هو أمر هام في بيئة العمل.
وأشار ثلثي المجيبين (39%) أن مدرائهم لا يشجعون استخدام التكنولوجيا في بيئة العمل، وهو ما رآه 50% من المجيبين في قطر، و46% في الإمارات العربية المتحدة، و44% في البحرين. وتشير هذه الأرقام إلى أن البلدان في المنطقة لا تسير بنفس السرعة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا واستخدامها.
ومن الأمور التي أظهرتها الدراسة هي أن هناك العديد من الأمور التي عليك فعلها لإيجاد الوظيفة المناسبة. وهناك فجوة كبيرة بين ما يبحث عنه المهنيون وما يحصلون عليه، ولكن مع الوقت، يمكن للتكيُّف والتغيير أن يحدثا فرقاً في المنطقة. والآن بعد أن أخذت فكرة أشمل وأوسع حول ماهية بيئة العمل المثالية، فقد حان الوقت لإيجاد فرصة عمل مثالية. يمكنك البحث من بين أكثر من 10,000 آلاف وظيفة متاحة يومياً في بيت.كوم. كما يمكنك تخصيص بعض الوقت للبحث عن عمل في أماكن أُخرى.
ولا تتردد في مشاركتنا أرائك وأفكارك في صندوق التعليقات أدناه. كما يمكنك الاطلاع على الاستبيان كاملاً وتحميله من هنا.