من المتعارف عليه أن التقدم والرضا الوظيفي يمر بفترات متقلبّة؛ فأحياناً تبلغ السعادة والرضا مرحلة عالية، خاصةً في مرحلة بدء المسيرة المهنية وعند نهايتها. ففي مرحلة بدء المسيرة المهنية، تبدو الاحتمالات غير متناهية، ويمتلك المهنيين في هذه المرحلة طموح عالٍ، وأحلام كثيرة يسعون لتحقيقها، فهناك العديد من المهارات التي يرغبون بتعلمها، والصعوبات التي يسعون لتخطيها، والإنجازات التي يرغبون في تحقيقها، وغيرها من الأهداف التي لا تنتهي.
وفي نهاية المسيرة المهنية، قد يشعر الجميع بالرضا التام، وينتابهم شعور بتحقيق الذات بعد قطع مسافات طويلة. وفي هذه المرحلة، قد تكون حققت مسيرة مهنية مُثمِرة ومليئة بالإنجازات، وتمتلك مهارات عديدة ومعرفة في مختلف المجالات، ونتيجة لذلك ستكون موضع احترام وإعجاب جميع زملائك. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون في طريقك إلى التقاعد، مما يعني بدء مرحلة جديدة في حياتك.
ولكن، أين يترك ذلك المهنيين الذين قطعوا نصف الطريق؟ أولئك الذين أسسوا مسيرة مهنية، ولكن ما تزال أمامهم طريق طويلة ليقطعوها قبل الوصول إلى نهاية مسيرتهم المهنية؟
في مرحلة ما في المسيرة المهنية، يميل المهنيون إلى الإحساس بالإحباط أو اليأس، وقد يكون سبب هذه الأحاسيس ضعف في الدافعية، أو انخفاض مستوى الحماس الذي يملكونه. وكنتيجة لذلك، يسبب ذلك الإحساس فقدان كبير في الدافعية والحماس، مما يجعل استرداد نفس المستوى من الحماس والدافعية أمر صعب للغاية لمن يمرون في هذه المرحلة.
إذا كنت تشعر أنك تمر في هذه المرحلة من مسيرتك المهنية، فلا تقلق، فخبراء بيت.كوم يمتلكون الحل، إذ سيساعدونك على تخطي شعورك بالإحباط أو اليأس في حال كنت تمر في هذه المرحلة من خلال مجموعة من النصائح.
الشعور بالاحباط في منتصف مسيرتك المهنية: البداية
الشعور بالاحباط في منتصف مسيرتك المهنية: الأسباب
إذا وجدت نفسك تمتلك واحدة أو أكثر من الأعراض المذكورة أعلاه، فعليك قبول فكرة أنك تمر بمرحلة احباط بسبب مسيرتك المهنية. وكما يدل الاسم، فإن الاحباط يظهر في الفترة المتوسطة من المسيرة المهنية، بعد أن يؤسس المهني مسيرة مهنية جيدة، ولكن قبل مرحلة التقاعد أو تحقيق الغاية من مسيرتك المهنية.
ويعود سبب الشعور بالإحباط في منتصف المسيرة المهنية إلى عوامل خارجية، مثل امتلاك عائلة أو معيلين عليك الاهتمام بهم، مما يضعك تحت ضغط كبير لتحقيق توازن بين العمل والحياة الشخصية. وفي الحقيقة، يُعد عدم امتلاك توازن بين العمل والحياة الشخصية عامل فعّال في الشعور بالإحباط في منتصف المسيرة المهنية وسبب كبير في حصولها؛ فإذا كنت تعود من العمل بشكل يومي وأنت تشعر بالإرهاق الشديد، وتتناول الطعام، وتخلد إلى النوم، ثم تستيقظ في صباح اليوم التالي لتُعيد نفس الخطوات، إذاً أنت بلا شك تعاني من الإحباط.
كما هناك عدة عوامل أُخرى مثل الفشل في الوصول إلى هدف ما، أو عدم وجود فرصة للتقدم الوظيفي، أو عدم توافر فرص للتعلُم أو تحدي الذات، وجميع هذه العوامل تدفعك للشعور بالإحباط في منتصف المسيرة المهنية. لا تقلق، فنحن نفهم جيداً معنى أن تشعر بالاحباط بهذه المرحلة، ولكن لا يجب عليك الاستسلام لليأس في حال كنت تمر في هذه المرحلة، فلكل مشكلة حل مهما بدت صعبة.
الشعور بالاحباط في منتصف مسيرتك المهنية: العلاج
1. ابحث عن معنى
قد يبدو هذا الأمر سهل عند التحدث عنه، ولكن قد يصعُب تطبيقه. ولكن لنأخذ لحظة ونفكر بالأجزاء التي تعتقد أنها ذات معنى في وظيفتك، أو أنها مثيرة للاهتمام. فكر في المهام التي تجعلك تشعر بالحماس والسعادة عند إنجازها، وتلك التي تُضيف قيمة للشركة، وتساهم في تحقيق مهمتها. فكر في الفوائد التي يعود بها عملك على الآخرين، والتأثير الإيجابي الذي ينعكس على قضية أنت مهتم بها، والذي يساهم في تمهيد الطريق للأجيال القادمة أو في تغيير حياة أشخاص. فكر في الأسباب التي جعلتك تختار هذه المهنة بالذات، ولماذا حاربت كل هذا الوقت. فكر في الأمور التي تجعلك فخوراً عند النظر إلى مسيرتك المهنية.
بعد أن تحدد المهام والمسؤوليات المثيرة للاهتمام، يجب أن تكون الخطوة التالية وضع خطة لدمج هذه المهام ضمن روتينك اليومي. يمكنك التحدث مع مديرك لطلب تأدية مهام مشابهة بشكل أكبر. وعادةً ما تقل إصابة المهنيين بالاحباط في حال خصصوا ربع وقتهم في أداء مهام ذات معنى. احرص على اقتطاع بعضاً من الوقت للعمل على شيء تحبه، لتتمكن من إيجاد معنى لما تنجزه.
2. تحدّ نفسك
لا شك أنك اكتسبت الكثير من المعرفة والخبرة خلال مسيرتك المهنية، وأنت الآن تجيد عملك بشكل لا مثيل له، مما يجعلك ذو قيمة كبيرة بالنسبة لمديرك، ولكن قد يؤدي ذلك أيضاً إلى شعورك بالملل وعدم الرضا في بعض الأحيان. ومما لا شك فيه أنه كلما كان العمل مثيراً للاهتمام، كلما زادت نسبة رضا الموظف.
ولتخطي شعورك بعدم الرضا والملل، ابحث عن تحديات جديدة لإضافتها إلى روتينك اليومي. يمكنك التطوع للعمل على مشاريع ومهام قد لا تشعر بالراحة عادةً في أدائها، أو تحمّل مسؤوليات جديدة لاختبار مهاراتك، أو اطلب من مديرك أن يُعيّن لك مهام جديدة إضافية تلبي طموحاتك الحالية أو المستقبلية. هذه بعض الاقتراحات التي يمكنك تطبيقها لتضيف بعضاً من الإثارة والدافعية إلى يومك.
كما عليك التفكير في الحصول على بعض الخبرة الإدارية، في حال لم تكن تمتلك هذا النوع من الخبرة في المرحلة التي وصلت لها. فعلى سبيل المثال، يمكنك أن تطلب العمل كقائد فريق، أو تعيين متدرب لتتمكن من تطوير مهاراتك القيادية، وتحديد نقاط الضعف في هذه المهارة والتي عليك العمل على تحسينها. وبهذه الطريقة، ستتمكن من تسليط الضوء على مهاراتك القيادية، وتثبت لمديرك قدرتك على تحمل مسؤوليات أكبر.
3. ضع أهدافاً محددة
في حال كنت تمر بفترة احباط، من المهم أن تأخذ قسطاً من الراحة لتقييم وضعك الحالي، وتقييم موقفك الحالي، وأين ترغب في أن تكون بعد مدة من الوقت، وكم ستحتاج لتصل إلى المكان الذي ترغب في أن تكون فيه. يمكن لهذا الوقت مساعدتك على اتخاذ القرارات الوظيفية الصحيحة، والسير على الطريق الصحيح لبناء استراتيجية فعالة تساعدك على تحقيق أهدافك المهنية بشكل أسهل.
فكر في المستقبل، وأين ترغب أن تكون بعد فترة خمس سنوات مثلاً. عليك إعادة استكشاف أهدافك المهنية منذ أن بدأت بمسيرتك المهنية لتشعر بنفس المشاعر التي شعرت بها في البداية من الخيارات والطموحات الواسعة. يمكنك فعل ذلك من خلال التفكير في الأمور التي ترغب في تحقيقها خلال العام القادم من مسيرتك المهنية، أو الخمس سنوات القادمة، أو حتى العشر سنوات. ويمكن أن يساعدك ذلك على تحديد النقاط التي ترغب في تحسينها في نفسك على المستوى الشخصي حتى. فعلى سبيل المثال، قد ترغب في أن تكون ذو شخصية جريئة أكثر، أو متعاطف بشكل أكبر، أو أكثر حزماً، وغيرها من الأمور.
من المهم أن تحدد أهدافاً واقعية وذكية، ولكن تجنب توقُع الكثير من نفسك لكي لا تشعر بالإحباط وعدم الرضا عندما لا تحقق الأهداف التي تحددها. كما عليك التحلّي بالصبر وعدم فقدان الأمل عندما تسير في طريق تحقيق هذه الأهداف، فخطوات بطيئة ولكن واثقة أفضل من خطوات سريعة وغير محسوبة. خصص وقتاً معيناً في كل يوم للعمل على تحقيق هذه الأهداف، واحرص على العمل عليها بشغف لتجنب الشعور بالملل، والحفاظ على تركيز عالٍ.
4. جِد مصدر إلهام
إذا كنت تشعر بأنك لا تمتلك أي مصدر إلهام يدفعك لأداء عملك فالآن حان وقت إيجاد مصدر إلهام حقيقي لك. جرّب العثور على مصادر إلهام من خلال مشاهدة مقابلات تيد لأشخاص تعشقهم. كما يمكنك قراءة مقالات تتحدث عن قصص نجاح مُلهمة لأشخاص مروا بتجارب قريبة من تجربتك.
ومن الأمور الأُخرى التي يمكنك تجربتها هي أن تبحث عن مرشد أو مرشدة، بهذه الطريقة ستتمكن من بناء علاقة قوية مع شخص يقدم لك المساعدة ويدعم مسيرتك المهنية، حيث بإمكان مرشدك تقديم النصيحة حول القرارات المتعلقة بمسيرتك المهنية، ويمكنه تقديم نصائح قيّمة حول مستواك الوظيفي الحالي، ومهاراتك، أو أي ضعف يراه في أدائك العام. كما يمكن للمرشد تقديم النصح والإرشاد بناءً على تجربته الشخصية التي مرّ بها حتى وصل إلى ما وصل إليه حالياً، أو مشاركة الأمور التي كانت بمثابة مصدر قوة له.
يمكنك البدء في البحث عن مرشد داخل شركتك. ولتسهيل الأمر، يمكنك البحث عن شخص تكنّ له الإحترام وتعتقد أن بإمكانه أن يكون مصدر إلهام كبير لك. كما يمكن أن تكون بدورك مرشد لشخص آخر، حيث سيضيف ذلك لك قيمة كبيرة جداً. وبالطبع لا شيء يمنعك من البحث عن مرشد أو مرشدة خارج نطاق شركتك، ولكن عليك إيجاد شخص تحترمه وتقدره.
5. طوّر شبكة من العلاقات القوية
أحد أهم الأمور الأُخرى التي تساهم في زيادة الرضا الوظيفي هي امتلاك علاقة جيدة مع مديرك وزملائك، حيث تساهم هذه العلاقات في تعزيز سعادتك، فلا شيء يساهم في شعورك بالوحدة والعزلة أكثر من شعورك بعدم السعادة أو عدم امتلاك شخص بإمكانه تقديم نصيحة لك. بالإضافة إلى ذلك، إن امتلاك علاقة قوية مع أعضاء فريقك يساعدك على إيجاد معنى من وراء أداء مهامك، مما يساعد أعضاء فريقك، ومديرك، والشركة على تحقيق النجاح.
بإمكانك بناء هذه العلاقات من خلال استثمار الجهد والوقت في معرفة الأشخاص في محيطك والتواصل معهم خارج نطاق العمل. بإمكانك دعوتهم لتناول الغداء خارجاً، أو التخطيط لقضاء عطلة نهاية أسبوع مع جميع أعضاء فريقك. احرص على التعبير عن تقديرك في حال ساعدك شخص ما لأداء مهامك. وأحياناً قد يجد الأشخاص سعادتهم في أماكن لا يتوقعونها، ففي حال بذلت مجهوداً بسيطاً في مساعدة شخص ما أو المساهمة بشكل إيجابي في يومه، فقد يؤدي ذلك إلى بناء علاقات قوية معه، مما قد يُخرجك من حالة الإحباط التي تشعر بها.
الشعور بالاحباط في منتصف مسيرتك المهنية: نظرة عامة
في نهاية الأمر، من المهم أن تتحلّى بالإيجابية خلال التجربة التي تمر بها. قد يكون هذا الأمر صعباً بعض الشيء في حال كنت تشعر بعدم السعادة، أو التوتر، أو قلة الدافعية، ولكنه غير مستحيل. يُفضل الأشخاص التواجد حول أولئك الذين يتحلون بالدافعية والإيجابية. وشعورك بالإحباط أمر طبيعي جداً، فهو يُصيب العديد من الأشخاص الذين يمرون في هذه المرحلة من مسيرتهم المهنية، ولكن لا يجب أن يؤثر بشكل كبير على مجرى يومك.
من خلال العمل بجهد وإيجاد معنى حقيقي لما تؤديه، والبحث عن تحديات جديدة، وتقوية علاقاتك مع الأشخاص الذين يحيطون بك بإمكانك التعامل مع وظيفة لا تحبها. وفي حال جربت جميع النصائح المذكورة أعلاه وما زلت تشعر بعدم الرضا، بإمكانك البحث عن وظيفة جديدة، أو تأسيس مشروعك الخاص، أو تغيير مسيرتك المهنية كلياً.
نأمل أن تكون هذه المقالة قد ساعدتك ولو بشكل بسيط. في حال كنت تعرف شخص ما يمر بحالة إحباط في منتصف مسيرته المهنية وبحاجة لدعم معنوي، احرص على مشاركة هذه المقالة معه أو معها لتقديم الدعم الذي يحتاجونه. وفي حال كنت تمتلك أي نصيحة أو إرشاد تود مشاركته مع الآخرين، يمكنك أن تتركه في صندوق التعليقات أدناه.