"كل ما في الأمر أنني غفوت قليلاً على مكتبي!"
"معقول؟!"
"لم تكن أكثر من 5 دقائق!"
لقد كان هذا الحوار الذي دار بيني وبين أحد معارفي عندما أخبرني عن سبب فصله من عمله الجديد خلال الفترة التجريبيّة، وكان غاضباً جداً لأنه أحب تلك الوظيفة بشكل كبير، ولا أُخفي شعوري بالتفاجؤ عندما سمعت الخبر، وعندها أردت الحصول على تفسير مُقنع لما حدث وسبب حدوثه.
تابع هذا الشخص كلامه وأضاف أنه كان يواجه ضغط عمل هائل جداً، وأنه كان يعمل من المنزل حتى وقت متأخر من الليل، كما أنه كان يحضر إلى المكتب في وقت مُبكّر جداً. وبعد أن تمعّنت في الأسباب التي ذكرها لي والمواقف التي حصلت، وجدت أن المشكلة نبعت من قلّة التواصل بين الموظف وصاحب العمل بشأن كميّة ضغط العمل، والتوقعات الوظيفيّة، وأولويات المشاريع والعمل.
عند فصلك من عمل ما، ستبدأ أسئلة مثل "لماذا تركت عملي السابق؟" و "لماذا لم أُدرِج مديري السابق كمرجع في سيرتي الذاتية؟". وفي بعض الأحيان، قد تكون محظوظاً لتفادي عدم تأثير ما حصل على سيرتك الذاتية، ولكن قد لا ينجح الأمر دائماً. للتعامل مع الموقف، عليك تدارك ما حدث وتقبُّله، والتعلُّم من ما حدث من خلال دراسة الأسباب التي أدت لحدوث هذا ومحاولة إصلاحها.
فعلى سبيل المثال، إن السبب الحقيق الذي أدّى إلى فصل صديقي ليس "لأنه غفى بينما هو على مكتبه"، قد يكون هذا السبب الظاهري، ولكن ما هي الأسباب الفعليّة التي أدّت إلى حدوث ذلك؟ ما هي الأحداث التي تراكمت وأدت في النهاية إلى حدوث هذا الموقف، وبالتالي الخروج بهذه النتيجة؟ إن الجواب الفعلي لهذه الأسئلة هو "لقد واجهت ضغط عمل هائل، ولم تكن فترة تدريبي في الشركة سلسة. كما أنني لم أتلّقى أي توجيهات محددة حول أولويات المشاريع، وبدلاً من التواصل مع مديري والتحدّث معه حول ما كنت أواجهه، عملت على إنهاك نفسي في العمل لإنهاء جميع المهام المطلوبة منّي. أدركت الآن أن هذه الاستراتيجيّة غير فعّالة وانعكست بشكل سيء على أدائي في العمل. إن هذا الموقف جعلني أدرك أهمية التواصل، كما جعلني أتعلّم درس مهم لن أنساه في المستقبل." تقديم إجابة كهذه تُعطي نظرة تحليلية أعمق للموضوع، وتوفر تفسير منطقي للأحداث التي أدت إلى حدوث هذا الموقف.
اكتشف صديقي من هذا المثال نقاط الضعف التي يمتلكها، وقد تعامل مع الموقف بشجاعة، وتعلّم درساً مهماً لن ينساه أبداً. ومن الأمور التي تُهم أصحاب العمل هي تعلُّم الموظف من أخطاءه السابقة التي ارتكبها، وثم تطبيق الدرس المُستفاد في المواقف المستقبليّة لتجنُب حدوثها مجدداً. يمكن لصديقي في المستقبل وضع خطة مُعيّنة وإخبار مديره بأنه يرغب بجدولة اجتماع أو اجتماعين في الأسبوع لمناقشة المهام المطلوبة منه، وأولويات العمل، والأداء لضمان إتبّاع نهج تواصل فعّال يُوصف بالانفتاح والصراحة، ويمنع حدوث أي سوء تفاهم قد يؤدي إلى تكرار الموقف السابق.
إذا وجدت نفسك في موقف قد يهددك بالتعرُّض للانفصال من عملك، لا تقلق، فهذه ليست نهاية العالم. فإذا مررت بيوم سيء في العمل، أو وجدت أن مهاراتك لا تتطابق مع الوظيفة، أو كانت علاقتك مع مديرك أو زملائك غير مستقرّة، فيمكنك دائماً تخطّي هذه التجربة وبدأ البحث عن فرصة جديدة لتطوير مسيرتك المهنية.
إليك بعض التوجيهات التي ننصحك بإتباعها:
الخطوة الأولى: كن صريحاً مع نفسك، وفكّر ملياً في الأسباب التي أدت إلى حدوث الموقف وتفاقمه. لا تُركز على الحادثة الأخيرة فقط، أو "القشة التي قسمت ظهر البعير"، فعلى سبيل المثال، لا تنتهي العلاقة بين الأزواج لأن أحدهما نسي أن يُخرج القمامة. قد تكون هذه الحادثة هي ما أدت إلى اندلاع المشاجرة، ولكن هناك العديد من التراكمات التي أدت إلى انفجار الموقف، والحادثة الأخيرة كانت بمثابة شرارة أدت إلى تفاقم الأمور. والغرض من هذا المثال هو مساعدتك على التفكير في الأمور التي أدت إلى فصلك من العمل. فموقف كهذا سيساعدك على فهم نفسك وقدراتك بشكل أفضل، كما سيساعدك على إظهار قدرتك في المقابلات الشخصية القادمة وتحليل المواقف وتقييمها بشكل أفضل.
الخطوة الثانية: لا تُضخّم الأمور، فبعد أن قدّرت الأمور وفكرّت ملياً بها، لا تجعلها تتوقف هنا، ولا تفقد الشغف والدافعية لتخطّي الأمر. وإذا تم سؤالك عن عملك السابق في المقابلة الشخصية التالية، قدّم جواباً مختصراً وشاملاً لما حدث، ثم حاول تغيير الموضوع بسلاسة والانتقال للموضوع التالي. قد تظن أنه من الأفضل ذكر الحجج والأعذار وإلقاء اللوم على عملك السابق، ولكن قد يكون لذلك عواقب وخيمة ويجعل الشخص الذي يُجري معك المقابلة يُشكك في قدراتك على التعامل مع المواقف الصعبة. تذكر أن مديرك المستقبلي يفهم موقف مديرك السابق أكثر من فهمه لموقفك، وذلك بسبب اختلاف المناصب بينكما.
الخطوة الثالثة: ضع خطة مُحكمَة، عند ذكر الدروس التي تعلمتها من وظيفتك السابقة، واحرص على أن تكون خطة مدروسة ومحددة؛ حيث يُفضِّل أصحاب العمل معرفة ما الذي تُفكر به وكيف ستتعامل مع الموقف. وقد تشمل الخطة جدولة اجتماعات لمتابعة العمل مع مديرك المستقبلي، أو اتباع خطوات مدروسة للتعامل مع المشاكل في حياتك الشخصية التي قد تنعكس على أدائك في العمل. إن إظهار سلوك مُبادِر سيساعدك على إثبات القيم التي تمتلكها بشكل أكبر في عملك التالي.