وفقاً للبنك الدولي، يجب توفير أكثر من 50 مليون وظيفة جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في خلال العقد المقبل بمعدل نمو 6,5% من أجل ضمان التوازن السياسي والإجتماعي. فما من أحد ينكر أن الربيع العربي الذي شهدته المنطقة نشأ عن البطالة في المقام الأول والتفاوت الإقتصادي في ظل الظلم الإجتماعي والسياسي والفساد العام. أما البطالة وبخاصة عند الشباب فهي منتشرة الى حد كبير في المنطقة حيث انها تبلغ حوالي 25% بالمقارنة مع 17% في البلدان المتقدمة. ولكن من هو المسؤول عن خلق فرص العمل؟
في الواقع، أجرى بيت.كوم استبيان في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لمعرفة على عاتق من تقع مسؤولية إنشاء فرص العمل. وحمّل 47,1% من المهنيين الحكومة مسؤولية البطالة كاملةً في المنطقة في حين لام 7,3% القطاع الخاص و5,2% القطاع التعليمي وقال 6,3% أنها مسؤولية الأفراد.كما قام بيت.كوم بطرح السؤال حول مدى مسؤولية الحكومة تجاه إنشاء فرص العمل فأجابت الأكثرية (71%) بأن الحكومة مسؤولة الى حد كبير أو حتى مسؤولة "حصرياً" عن ذلك.
إذا ما الذي يتعين على الحكومة القيام به إن كانت بنظر معظم المهنيين صاحب العمل الأول والأخير والمتحكم الأول بالتغيير؟ طرح بيت.كوم في الإستبيان المذكور سابقا على المشاركين السؤال حول كيف يمكن للحكومة تحسين التوظيف في بلدهم وجاءت النتائج على الشكل التالي: 10% قالوا من خلال خلق المزيد من الوظائف في القطاع العام، 8,1% شددوا على أهمية تطوير القطاع التعليمي، 5,6% قالوا من خلال توفير بيئة عمل مناسبة، و4,7% طالبوا بتطوير قوانين العمل، 17,1% قالوا من خلال الحد من الفساد، و3,7% أفادوا بأنهم بحاجة لتطوير مبادئ توجيهية واضحة وقانونية، وصرح حوالي نصف المشاركين (48,1%) بأهمية قيام الحكومة بكل ما سبق ذكره. وأشار معظم المشاركين، 86,5% إلى اعتقادهم أنه من الممكن تطوير آفاق التوظيف بشكل متسارع من خلال سياسات عامة أفضل لذا فلا بد من شراكة وثيقة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص من أجل دعم النمو المهني ومعالجة البطالة أو حتى خلق فرص العمل على المدى البعيد.وأفضل ما في الأمر هو أن المشاعر ايجابية في المنطقة حيث أن 65,1% من المشاركين يشعرون بالتفاؤل في ما يتعلّق بمستقبل حياتهم المهنية الخاصة و64,7% قالوا الأمر نفسه عن بلدهم.
نقدم لك في ما يلي بعض المعلومات والأفكار من استبيانات وأبحاث بيت.كوم حول هذا الموضوع والتوظيف بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
التعلم والتدريب
إن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا متعطشة للتعلم. فقد أشار أكثر من 69% من المشاركين في إستبيان بيت.كوم الى أن القراءة أمر بالغ الأهمية من أجل التطور المهني في حين أن 78% أشاروا الى أنهم يقرأون الكتب المهنية بانتظام. بالإضافة الى ذلك، حين طرحنا السؤال حول العودة الى التعلم من أجل متابعة برنامج تعليم على شبكة الإنترنت، صرح 39% من المهنيين بأنهم يفضلون برامج الدراسات العليا، و23% يفضلون الالتحاق ببرامج الشهادة الجامعية الأولى. أما فرص التدريب فهي نادرة لدى البعض، الأمر الذي ينقسم ما بين احتياجات أصحاب العمل والمتطلبات والمهارات المتوفرة في سوق العمل في كافة أنحاء المنطقة. والمهارات الغير موجودة ليست المهارات التقنية العصرية فحسب بل غيرها ايضاً من المهارات الأساسية والإستعدادية لدخول مكان العمل بما يتناسب مع التصرفات المناسبة، والتوقعات، والتركيز والإلتزام.
أما في ما يتعلق بأكثر ما يبحث عنه أصحاب العمل لدى التوظيف فقد صرحوا بأهمية كل من الشغف، والدافع، والطموح، ومهارات العمل ضمن فريق ومهارات التواصل التي تعد في بعض الأحيان أهم من المهارات التقنية والسجل المهني كما أشار استبيان بيت.كوم حول "ممارسات التوظيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا" 2011. كما أشار الإستبيان عينه الى أن معظم أصحاب العمل قد يقومون بتوظيف مرشح لديه المهارات مناسبة، ولكنه لايتمتع بخبرة مباشرة في مجال عمل الشركة. أما مهارات التواصل واللغات فتعدّ أساسية وليس اللغة العربية فحسب بل الإنجليزية و/أو الفرنسية حيث أنهما من اللغات الأساسية للأعمال. كما يجب أن يتمتع المرشح بجهوزية لدخول عالم الأعمال والتعرف على كيفية التصرف والعمل في ذلك العالم والإختلافات الكائنة ما بين مختلف مجالات العمل والمهارات المناسبة لكل مجال.
ويجب أن يبدأ حب التعلم المستمر في مرحلة مبكرة من المراحل التعليمية من خلال التأسيس له ودعمه. وقد تم اتخاذ الكثير من المبادرات الناجحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا من خلال ربط التدريبات في الصفوف الدراسية مع التدريبات في مكان العمل وتعتبر نسبة نجاح الخريجين لدى توظيفهم للعمل ضمن القطاع الخاص عالية نسبياً.
تسهيل التوظيف
في الواقع، إن لم تتخذ الحكومة موفقاً فاعلاً والفضل في ابتكار فرص العمل يمكنها القيام بتسهيل تنقل اليد العاملة من خلال إزالة العقبات الهيكلية أمام تدفق العمل وتسهيل تدفق المعلومات حول فرص العمل المتاحة. فأصحاب العمل في كثير من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا يعانون من القيود الخاصة بالتوظيف وسياسات التسريح من العمل مقارنة مع البلدان المتطورة والبلدان النامية مما يؤدي الى قيامهم بالتوظيف الإنتهازي في سوق العمل المتصاعدة. بالإضافة الى أن الجهود الكامنة وراء توفير بنى تحتية متينة وغير مكلفة لتوظيف المواهب، لا تزال غير كافية.
وقد تكون مكاتب التوظيف الحكومية المتطورة، والحضارية، والمنظمة هي الأفضل لإجراء اختبارات الكفاءة والتقييم ومحاولة التوفيق ما بين المواهب والفرص المتوفرة. كما يمكن القيام بكل ذلك عبر شبكة الإنترنت نظرا الى أن بعض البلدان في منطقة الخليج بدأت باعتماد بوابات التوظيف عبر الشبكة التي تم تصميمها من أجل تسهيل عملية التوظيف وتسريعها وتقديم أفضل النصائح حول عملية البحث عن عمل.
عندها ستتمكن الحكومات من التركيز على توفير الوسائل التي من شأنها تسريع عملية التوفيق ما بين المرشحين وفرص العمل وتطوير تدفق المعلومات حول الفرص المتوفرة بدلاً من محاولة ابتكار تلك الفرص. ويمكن أن تقدم الحوافز الى أصحاب العمل الذين يوظفون من خلال المنصات الحكومية سواء من خلال تقديم لهم الدخول المجاني الى قاعدة بيانات المهنيين أو إعلانات عن وظائف مجانية، والتقييم و/أو غربلة المرشحين مجانا، و/أو إمكانية تغيير المرشح في حال لم يكن على المستوى المطلوب.
تشجيع استثمارات القطاع الخاص
ماذا عن إنشاء أسس تشجع على ريادة الأعمال والإبتكار وتساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على تخطي مشاكلها؟ يمكن للحكومات تشجيع كثافة العمالة في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بشكل مباشر في شتى الطرق منها الحوافز الضريبية والتسهيلات الإئتمانية.
يمكن الحفاظ على نمو اقتصادي مستدام من خلال تشجيع ريادة الأعمال. فقد أظهرت الدراسة التي أجراها بيت.كوم بالتعاون مع برنامج الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون التابع لجامعة Stanford حول "ريادة الأعمال في القطاع الاجتماعي و الربيع العربي" تأثيرات الربيع العربي الإيجابية في زيادة الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي كل بلد شملته الدراسة، أشار عدد كبير من المشاركين الى انهم يفضلون المهن الحرة أو إنشاء عمل خاص بهم. وعلى الرغم من أهمية الحرية التي توفرها تلك الأعمال الا أن معظم أصحاب الشركات أسسوا أعمالهم نظرا لحاجة اقتصادية وعدم توفر الفرص. وعلى الرغم من أن الإهتمام بريادة الأعمال كبير جداً، أشار المشاركون الى عدد كبير من الأعمال الجديدة والمنظمات الغير حكومية التي لم تتمكن من تحقيق أي نجاح يذكر. في الواقع، إن نقص التمويل لا يزال التحدي الأكبر للبدء بعمل جديد، في حين أشار العاملون في قطاع المنظمات غير الحكومية الى أن التحديات الكبرى هي العقبات البيروقراطية كالتسجيل القانوني وتدخل السلطات.
المشاريع الخاصة
إذاً ما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها من أجل ضمان تمتع الأجيال القادمة بالعيش الكريم؟ ماذا عن تعزيز روح التعلم المستمر والإستثمار في رأس المال الفكري من خلال برنامج ما من أجل تشجيع ثقافة القراءة، أو أو حملة توعية محلية لقراءة كتاب في اليوم؟ هل من وسيلة أفضل لتعزيز الاقتصاد المبني على المعرفة سوى من خلال تسهيل المعرفة وتعميمها؟ وماذا عن إنشاء برنامج وطني تدريبي في مجال الأعمال حتى ولو كان على صعيد القطاع العام فقط كبداية؟ في الواقع، إن إحدى أكبر المشاكل التي تحول دون الحصول على فرصة عمل، الى جانب نقص المهارات اللازمة والقدرات، هي غياب المعارف والشبكات ومعرفة كيفية التصرف في عامل الأعمال. وماذا عن تشجيع المرونة من خلال تعزيز الفخر والتوعية في كل ما يتعلق بالوظائف كي لا تشعر البطالة أو الوظائف غير المحفّزة المعنيين بالاحباط؟ وماذا عن وضع خطة عمل وطنية واسعة النطاق تعطي امتيازات لكل من مؤسسات القطاع العام والخاص من أجل تعزيز روح ريادة الأعمال والروح التنافسية، ودعم الأفكار الجديدة والواعدة؟ وماذا عن جعل نظام التعليم في البلد مصدر أساسي للمواهب المتميزة وللفخر الوطني؟ وماذا عن المزيد من البنى التحتية الخاصة بتمويل المشاريع الصغيرة.
ختاماً، يجب أن تصبح مسألة بطالة الشباب من أولويات صانعي القرارات ويتعين على هؤلاء اعتماد مقاربة مرنة من أجل حل هذه المسألة التي تتفرع الى الإصلاح الهيكلي، وتشجيع استثمارات القطاع الخاص، وتوفير وسائل تدريب وتعليم أفضل وأكثر ملاءمة في كافة مجالات العمل.