إنّ سكان دولة الإمارات العربية المتحدة يشعرون بتأثيرات الأزمة المالية على بلادهم، حسب ما ورد في الدراسة الأخيرة التي قام بها Bayt.com، أكبر موقع للتوظيف في الشرق الأوسط،، بالتعاون مع خبراء YouGovSiraj، والتي سجلت تراجعاً لثقة المستهلكين للمرة الثالثة هذه السنة بنسبة3.4 نقطة على مقياس المؤشر. ليس هذا التراجع هو الأكبر الذي سُجّل خلال هذا العام، إلاّ أنّه يأتي من بعد سلسلة متتالية من تناقص مستويات ثقة المستهلكين في دولة الإمارات العربية المتحدة في2008.
تقدّم مستوى ثقة المستهلكين في البحرين وقطر بنسبة1.8 و1.2 نقطة في حين لم تسجّل السعودية أي تغيير. وفي المقابل، سجّلت الكويت وعمان تراجعاً مماثلاً لدولة الإمارات العربية المتحدة، فقد انخفض المستوى على مقياس المؤشر بنحو3.3 و3.4 نقاط لكلّ منها على التوالي.
واللافت أنّ دول المشرق شهدت تحسّناً في الأسواق، إذ ارتفع مؤشر لبنان بنسبة25.5 نقطة والأردن بنسبة21.2 نقطة وسوريا بنسبة5.1 نقاط. كما أنّ سكان شمال إفريقيا ثقتهم جيدة نسبياً، فقد سجلت كل من مصر والمغرب وتونس ارتفاعاً في مؤشر الثقة ما بين7 و8 نقاط، باستثناء الجزائر التي تراجع فيها مستوى ثقة المستهلك بنسبة4.3 نقطة (وهو أضخم تراجع في الدول التي أجريت فيها الدراسة).
إنّ مؤشر ثقة المستهلك (CCI) يقيس توقعات المستهلك ورضاه تجاه مسائل عديدة متعلقة بالاقتصاد مثل التضخم النقدي وفرص العمل وتكلفة المعيشة.
وقد شرح مدير Bayt.com الإقليمي، عامر زريقات، قائلاً: "إنّ فترات عدم الاستقرار الاقتصادي تؤثّر بشكلٍ كبير على السكان في بلدٍ معين، ومن الضروري الاستعلام عن شعور الناس تجاه المناخ الاقتصادي الحالي وأجواء الأعمال السائدة اليوم، من خلال قياس آرائهم حول الموضوع. وتشكّل الإحصاءات والدراسات المشابهة لمؤشر ثقة المستهلكين، في حال أجريت خلال فتراتٍ منتظمة، أداةً جدّ فعالة لمقارنة مواقف الناس الحالية والتغييرات التي طرأت خلال فترةٍ زمنية معينة. أما بالنسبة إلينا كاختصاصيي الموارد البشرية وأصحاب المصلحة في القطاع الصناعي، فإنّ هذه الدراسات توفر لنا نظرة متعمقة وقيّمة على آراء المستهلكين والطريقة التي يفكرون بها فنتمكّن من فهمها، وبالتالي يساعدنا هذا الأمر على تكييف استراجياتنا مع حاجات السوق."
في مؤشر ثقة المستهلك، هناك مقياس خاص لتقييم آراء الناس بخصوص التغييرات التي طرأت على أحوالهم المادية، لمعرفة إذا هي أسوأ أو أفضل من السنة الماضية. في المجموع، لم تحصد دراسة نوفمبر آراءً توافقية عندما سُئل المشاركون في الإحصاء إذا كانوا يشعرون أنّ مراكزهم تحسنت أو تراجعت، فقد رأى نحو30% أنّهم الآن أفضل حالاً، و30% رأوا عكس ذلك، في حين وجد34% منهم أن مركزهم لم يتغير. المغرب والسعودية والأردن وسوريا هي البلدان الوحيدة حيث يشعر الغالبية أنهم أسوأ حالاً، في حين سجّلت قطر أكبر عدد من الآراء الإيجابية من بين كل البلدان التي أجريت فيها الدراسة، إذ وجد فيها نحو39% من المشاركين في الاستطلاع أنّ حالتهم المادية أفضل.
من جهة أخرى، هناك مقياس خاص بتوقعات المستهلكين ودرجة تفاؤلهم حيال المستقبل. في هذا النطاق، كانت النتائج إيجابية نسبياً في كلّ الدول: ففي بلدان التعاون الخليجي، تراجع مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة على المؤشر بنحو0.1 نقطة فقط منذ الاستطلاع السابق، بينما سجلت توقعات المستهلكين المتفائلة في عمان ارتفاعاً بنسبة4.4 نقاط. كما أنّ قطر تقدّمت بنسبة3.4 نقاط والبحرين بنسبة3.3 نقاط والمملكة العربية السعودية بنسبة2.7 نقطة، حسب مقياس المؤشر الخاص. مرةً أخرى، احتلّ لبنان والأردن الصدارة من حيث توقعات المستهلكين، ومن اللافت تقدّم كلّ منهما بنسبة21.4 نقطة.
إنّ تفاؤل المشاركين تجاه مستقبل اقتصاد بلادهم بقي في المستوى نفسه نسبياً مقارنةً بالاستطلاع السابق، إذ يتوقّع نحو34% من الذين أدلوا بإجاباتهم تحسناً في الوضع الاقتصادي خلال سنة، مقابل نسبة32% في شهر يوليو. أما نسبة الذين يعتقدون أنّ الوضع سيتدهور أكثر، فهي28%. وأيضاً على غرار الاستطلاع السابق، بقيت نسبة التفاؤل إيجابية حيال توقّعات الناس بخصوص تبدّل أوضاعهم المادية خلال سنة، إذ يترقّب45% منهم تحسّناً في أحوالهم، بينما يرى9% أنّ الأوضاع ستسوء. مجدداً، سجلت قطر أكبر درجة من التفاؤل في هذا النطاق، بنسبة54% من الناس الذين يتوقّعون تحسناً في أوضاعهم، في حين سُجّلت أكثر الأرقام انخفاضاً لدى سكان الإمارات (43%) والجزائر (42%) والمغرب (38%).
من بين البلدان التي أُجريت فيها الدراسة، سجّلت البحرين التراجع الأكبر في مؤشر القابلية على الاستهلاك والذي بلغ نسبة18.3 نقطة، ولحقتها عمان بنسبة17.6 نقطة. أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد سجّلت تراجعاً بسيطاً بنسبة8.0 نقاط، في حين أظهرت الدراسة مجدداً تحسّناتٍ في لبنان وسوريا والأردن منذ الموجة السابقة، وخاصةً في لبنان الذي تقدّم بنسبة19.8 نقطة. وتوحي المعطيات بوجود موجةٍ دائمة من الاستقرار في هذه البلدان.
إنّ سؤال الناس عما إذا كان يرون أنّ الوقت مناسباً أو حيادياً أو غير مناسبٍ لاقتناء المشتريات يشير بصورةٍ واضحة إلى مواقف المستهلكين حيال الاستقرار المادي. وقد سُجّل تراجعٌ منذ شهر مايو، بحيث وجد معظم الذين شاركوا في الاستطلاع أنّ هذه الفترة سيئة لشراء المقتنيات الدائمة، وبلغت نسبتهم44%.
قال المدير العام التنفيذي في YouGovSiraj، نسيم غريّب: "رغم أنّ المؤشر لا يتنبّأ بالأداء الاقتصادي، هو يسمح بإلقاء نظرةٍ متعمّقة على الشعور الحقيقي للمستهلكين. فإنّ التراجع الملموس للأرقام التي تعكس مدى استعداد الناس لصرف الأموال توحي بأنّ المستهلكين كثيرو الحذر خلال هذه الفترة من انعدام الاستقرار. وإنّ هذه البيانات تساعد خبراء التسويق والشركات الأخرى على بيع منتجاتهم في هذه الفترة الزمنية، إذ أنّ العلامات التجارية التي توفر القيمة الأفضل للمستهلكين في الأوقات التي هم في غاية الحاجة إليها، ستكون هي الرابحة خلال المحن."
من جهة أخرى، إنّ ثقة الموظفين بسوق العمل المحلية ومواقفهم تجاه وظائفهم تشكّل جزءاً هاماً من مؤشر ثقة المستهلكين (CCI). والتراجع الأكبر لوحظ في دولة الإمارات العربية المتحدة، بنسبة12.0 نقطة. كما أنّ ثقة الموظفين تراجعت في معظم البلدان التي غطتها الدراسة، فقد لوحظ انخفاضٌ في كلّ دول الخليج، من بينها عمان التي سجلت تراجعاً بنسبة7.9 نقاط، وقطر5.2 نقاط، والسعودية4.0 نقاط، والكويت3.7 نقاط، والبحرين2.3 نقطة. كلّ البيانات تشير إلى أنّ سكان منطقة الخليج قلقون حيال سوق العمل، ربما لأنّ الإعلاميين في المنطقة يتداولون يومياً أخبار التخفيضات المعيشية والخسائر الوظائفية العديدة.
نظراً للأسباب القاهرة، كانت آراء الإماراتيين سلبية عندما سئلوا إذا كانوا يعتبرون هذه المرحلة مناسبة لمجال الأعمال، وقد سُجّل تراجعاً بنسبة15% منذ شهر يوليو، حين كان التفاؤل مسيطراً بنسبة42%.
وشرح زريقات قائلاً: "في هذه الأوقات الصعبة التي يعاني فيها العالم أجمع من الركود الاقتصادي، هذا النوع من الدراسات مفيدٌ إذ يسمح بالاستعلام عن آراء الناس بخصوص رواتبهم، وان كانوا يجدون أنّها تعادل مستوى تكاليفهم المعيشية. وقد تراجعت الأرقام قليلاً، فقد وجد62% أنّ الرواتب في المنطقة لم ترتفع مع ازدياد تكاليف المعيشة. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، انخفضت أرقام الأشخاص الذين يعتبرون أنّ رواتبهم لا تعادل مصاريفهم اليومية، من نسبة72% في شهر يوليو إلى66% حالياً. أما في لبنان، فثلاثة أرباع الأشخاص الذين أدلوا بإجابات يجدون أنّ الرواتب والمصاريف ليست متساوية، مما يعكس عدم رضا اللبنانيين حيال أتعابهم، حتى ولو كانت الشروط الأخرى جيدة."
وقد أظهرت الدراسة أنّ الوضع سيكون أسوء خلال سنة من حيث توافر الوظائف. فقد رأى31% من الناس أنّ الوظائف الشاغرة ستقلّ. أما الأجواء في قطر وعمان فهي إيجابية أكثر، مع40% و38% من الآراء التي تعكس تفاؤلاً بخصوص توافر الوظائف، في حين سجل الأردن أدنى مستوى من الآراء الإيجابية (28%). في المقابل، يعتقد40% من الإماراتيين أنّ توافر الوظائف سيكون قليلاً، وربما هذا الرقم يعكس مخاوف سكان دولة الإمارات العربية المتحدة من تأثيرات الأزمة المالية. على غرار غياب التفاؤل في الإمارات، يرى38% من العيّنة المصرية أنّ الفترة المقبلة ستكون صعبة جداً في ما يتعلّق بإيجاد وظائف شاغرة.
ويختم زريقات قائلاً: "إنّ مؤشر ثقة المستهلك يشكّل، إضافةً إلى دراساتٍ أخرى، دليلاً كبيراً يعكس آراء الناس حيال الأوضاع الاقتصادية الحالية. وهذا الامر بغاية الأهمية في وقتٍ يبدو فيه أنّ الاستقرار الاقتصادي الاقليمي مهدّد بسبب كل ما يجري في العالم حالياً، إذ أنّ المستهلكين والموظفين يشعرون بتأثيرات الأزمة العالمية عليهم. بإمكان خبراء التسويق واختصاصيي الموارد البشرية وغيرهم من المنظمات الاستفادة من هذه البيانات لاكتشاف وفهم الاستراتيجيات التي عليهم اعتمادها، سواء كان داخل منظماتهم أو على نطاق الدولة، لتحويل هذه الأوقات الصعبة إلى أوقاتٍ مليئة بالنجاحات."
إنّ البيانات الاحصائية لمؤشر ثقة المستهلكين لأكتوبر/نوفمبر2008، تمّ جمعها على شبكة الانترنيت في الفترة الواقعة بين27 أكتوبر و24 نوفمبر2008، وقد تمّ استجواب13,733 شخصاً لهذا الغرض، في كلّ من دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر وعمان والكويت والبحرين وسوريا ولبنان ومصر والمغرب وتونس والجزائر. وكانت العيّنة مؤلفة من إناث وذكور تتراوح أعمارهم ما بين20 و62 سنة، ومن جنسياتٍ مختلفة.