نصف سكان الإمارات العربية تقريباً، أي حوالى43% منهم، خفضوا إنفاقهم العائلي إزاء الضائقة الاقتصادية الحالية ، وهي النسبة الأعلى بين البلدان التي جرى الاستطلاع فيها، وفقاً للدراسة التي أجراها مؤخراً الموقع الأول للتوظيف في الشرق الأوسط Bayt.com بالتعاون مع الباحثين في YouGov. وتوصّلت الدراسة إلى أن30 % من أصحاب المهن في البلدان التي جرى الاستطلاع فيها خفضوا إنفاقهم العائلي فيما رفع ما يفوق ربع المشاركين تقريباً ميزانيتهم العائلية.
وقال في هذا الصدد نسيم غريّب، المدير التنفيذي لـ YouGov في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "لقد لحظنا من خلال أبحاثٍ مماثلة في الأشهر الست الماضية أن المستهلكين في الإمارات العربية المتحدة يخفّضون إنفاقهم بشكلٍ ملحوظ. وبالرغم من بعض مؤشرات التفاؤل التي بدت على مستوى القاعدة الشعبية في الإقتصاد العالمي، إلاّ أنّه يبدو أن الميل إلى الإنفاق بحذرٍ ما زال مستمراً، وذلك على المدى القصير على الأقل."
وعند السؤال عن أسباب خفض أصحاب المهن لمصروفهم العائلي، أجابت الشريحة الأكبر من المشاركين في بلدان الخليج، بنسبة43%، أن ذلك يعود إلى الضائقة الاقتصادية. أمّا السبب الذي تبعه بنسبة37% فكان الاضطرار إلى خفض المصروف لأن المشارك أو أحد أفراد عائلته فقد وظيفته. وكانت الأرقام في الإمارات العربية المتحدة هي الأعلى من ناحية الإجابة بالاضطرار إلى خفض المصروف العائلي بسبب فقدان الوظيفة مع45%، وتلتها الكويت بنسبة44% ومصر بنسبة41%. وفي ما تعلّق بما إذا كانوا مستعدّين للقبول بوظائف ذات راتبٍ أقل في حال صرفهم من وظيفتهم الحالية، لم يصرّح إلاّ31% من المشاركين أنّهم قد يقبلون براتبٍ أقل في حين أجاب45% منهم سلباً. وأفاد38% من المشاركين في الإمارات العربية المتحدة أنّهم قد يقبلون براتبٍ أقل بينما ذكر43% منهم أنّهم لن يقبلوا بذلك. وأتت الأرقام مماثلة في البلدان المجاورة مع ابداء37% من المشاركين في لبنان استعدادهم لقبول راتبٍ أقل، ومن ثمّ البحرين والأردن بنسبة36%.
كما سألت هذه الدراسة المشاركين عن مدى انخفاض المبلغ الذي قد يقبلون به. وما يثير الاهتمام هو أنّ أصحاب المهن الذين فقدوا وظائفهم بدوا أكثر استعداداً لتقديم التنازلات، إذ استخلصنا أنّ49% من أصحاب المهن العاملين حالياً لن يقبلوا بأقل ممّا يتقاضونه مقارنةً بـ27% فقط من المشاركين الذين لا يعملون حالياً.
وشرح عامر زريقات، المدير الإقليمي في موقع Bayt.com قائلاً: "انّ ما نشهده ليس إلاّ آثار الضائقة الاقتصادية التي ما زالت مستمرة في المنطقة والتي تتبيّن لنا بالطبع من خلال سلوك أصحاب المهن، الذين يقطنون ويعملون هنا، وتصرفاتهم ومواقفهم. إذ غالباً ما تقود الضائقة الاقتصادية بطبيعتها إلى انخفاض السيولة، الأمر الذي يظهر واضحاً جداً كون هذا العدد الكبير من سكّان المنطقة قد قلّص إنفاقه. ونحن نسلّط الضوء الآن، بإجرائنا هذا الاستطلاع، على نطاق هذا التقليص وعلى الطريقة التي يشعر فيها الناس أنّهم يتفاعلون مع هذه الظاهرة. ومن شأن ذلك أن يوفّر للمؤسسات في المنطقة معلوماتٍ مفيدة حول تفاعل الناس المعنيّين مع هذه الضائقة."
ولقد أجريت هذه الدراسة بعنوان "تجاوز الضائقة الاقتصادية " بهدف استطلاع آراء المستهلكين حول صراعهم لمواجهة الضائقة الاقتصادية العالمية وفهم التأثير الذي أحدثته هذه الأخيرة على المستوى الشخصي والطريقة التي أثّرت فيها على إنفاق المستهلكين ومدّخراتهم.
كما سألت هذه الدراسة المشاركين عن حالتهم المادية قبل الضائقة و خلالها للتحقّق من عدد أصحاب المهن الذين شعروا بأنّ وضعهم المالي تغيّر. إذ كان يشعر36% من المشاركين قبل الضائقة بأنّهم أفضل من نظرائهم فيما شعر39% منهم أنّهم متساوون معهم و12% شعروا أنّهم أسوأ حالة منهم. أمّا خلال فترة الضائقة ، فأجاب25% من المشاركين أنّهم يشعرون بأنّهم أفضل من نظرائهم بينما أجاب39% بأنّ وضعهم المالي مساوٍ لموقع نظرائهم و22% منهم قالوا إنّهم في وضع أسوأ. أمّا في الإمارات العربية المتحدة، فأتت هذه الأرقام مختلفة. إذ قبل الضائقة الاقتصادية ، شعرت أكثرية بلغت نسبتها41% من المشاركين أنّها أفضل مالياً من أقرانها في حين لم يشعر إلاّ الربع خلال الضائقة بأنّهم أفضل.
وعند سؤالهم عن سبب هذا التغيّر في حالتهم الماليّة، أعاد ذلك نصف المشاركين تقريباً في الإمارات العربية المتحدة، أي بنسبة48%، إلى فقدان وظائفهم، فيما صرّح23% أن ذلك يعود إلى خفض رواتبهم. كما أفادت الدراسة أنّ فقدان الوظائف برز بشدّة في الإمارات العربية المتحدة ممّا يشير إلى أتّساع نطاق ظاهرة التسريح فيها.
كما طالت آثار الضائقة الاقتصادية استثمارات المشاركين. إذ تبيّن أنّ21% من المشاركين يتوقّعون بيع استثماراتهم لإعالة أنفسهم أو عائلاتهم خلال هذه الفترة ، مع الإشارة إلى أنّ هذه النسبة ارتفعت إلى24% في الإمارات العربية المتحدة. كان المشاركون من البحرين الأقل تأثّراً من هذه الناحية ، نظراً إلى أنّ56% منهم قالوا إنّهم لا يرون داعياً لبيع أيٍّ من أملاكهم، وتلاهم المشاركون من المملكة العربية السعودية والجزائر، حيث اتّفق48% منهم على أنّهم لن يبلغوا نقطة الاضطرار إلى بيع شيءٍ من ممتلكاتهم.
وبالإضافة إلى خفض الإنفاق، بدا البحث عن وظائف في بلدٍ مختلفٍ خيارا مقبولا بالنسبة إلى جميع المشاركين خلال فترة الضائقة الاقتصادية ، إذ أفاد ربعهم بأنّهم انتقلوا للعمل بعيداً عن عائلاتهم. واتّخذ السكان في الإمارات العربية المتحدة عدداً من الخطوات تبعاً لهذه الضائقة ، فتوصّل الاستطلاع إلى أنّ14% من المشاركين في الإمارات أرسلوا عائلاتهم إلى مواطنهم فيما اختار16% منهم الانتقال إلى مناطق أقلّ غلاءاً في البلاد.
إلى ذلك، ظهر أنّ الصحة الجسدية شكّلت هي أيضاً مشكلةً خلال هذه الفترة، إذ تبين أن الضائقة الاقتصادية قد أدت إلى ظهور المشاكل الصحية كالإرهاق عند27% من المشاركين وعند أفراد من عائلات13% منهم. كما اتضح أن المشاركين من الإمارات العربية المتحدة كانوا الأكثر تأثرا في المنطقة من الناحية الصحية, حيث أكد31% منهم معاناتهم من مشاكل صحية في حين قال13% منهم أن هذه المشاكل قد ظهرت لدى أحد أفراد أسرهم. وتبعهم المشاركون من الكويت بنسبة29% من الذين ما زالوا يعانون من مشاكل صحية و14% من الذين يعاني أحد أعضاء أسرتهم من هذه المشاكل.
وأضاف غريّب، المدير التنفيذي لـ YouGov: " ما نشهده اليوم، إلى جانب الهموم التي تراود المشاركين في أنحاء المنطقة بشأن الأحوال المادية والوظائف، هو أنّ آثار الضائقة الاقتصادية تنفذ إلى حياة الناس لدرجة أنّها بدأت تطال صحّتهم الجسديّة والعقلية وهو أمرٌ لا نشهده غالباً. ومن شأن هذا النوع من البيانات الموضوعية والمحدّثة والمباشرة أن توفّر لنا نظرةً صريحة إلى كيفية تعامل الناس مع المناخ الاقتصادي الراهن في حياتهم اليومية، ممّا يتيح لمديري الموارد البشرية وأصحاب العلاقة الآخرين نظرةً مبسّطة جداً إلى كيفية تفاعل الناس على مستوى القاعدة الشعبية مع هذه الضائقة."
واستخلص زريقات، المدير الإقليمي في موقع Bayt.com قائلاً: "ترسل هذه الاستنتاجات رسالةً واضحة إلى أرباب العمل بأنّ الكثير من أصحاب المهن في المنطقة يعانون حالياً وبأنّ اتّخاذ الخطوات في سبيل معالجة المشاكل التي تمّ تسليط الضوء عليها قد يقدّم للمؤسسات فوائد تنافسية لما بعد زوال ضغوط الازمة." ويُذكر أنّه تمّ جمع بيانات دراسة ""تجاوز الضائقة الاقتصادية " " عبر الانترنت بين26 مايو و28 يونيو من العام2009، وقد شارك فيها12908 شخصاً من أنحاء الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وعُمان والكويت والبحرين وسوريا ولبنان ومصر والمغرب وتونس والجزائر وباكستان. وضمّ هذا الاستطلاع من تجاوزوا عمر18 من ذكورٍ وإناثٍ من الجنسيّات كافّة.