أظهرت دراسة أجراها Bayt.com، أكبر موقع للتوظيف في الشرق الأوسط، على الانترنت بالتعاون مع "برنامج الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي" في جامعة Stanford ومؤسسة البحوث والإستشارات YouGov، تأثيرات الربيع العربي الإيجابية في زيادة الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في حين كان تأثيره سلبياً وبشكل مباشر على الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وذكرت أكثرية المشاركين في الدراسة أن الربيع العربي أدّى إلى تدهور ظروف العمل في المنطقة. وتظهر الآثار بشكل أسوأ في البلدان التي تشهد ثورات، حيث أن58% من المشاركين في تونس و68% في مصر و71% في سوريا و65% في البحرين أعلنوا أن وضع التوظيف أضحى أسوأ بكثير ممّا كان عليه قبل الثورة.
ومن المتوقّع أيضاً أن تتأثر الأوضاع الاقتصادية الفردية بشكل سلبي بالربيع العربي. وتتراوح نسبة المشاركين في الدراسة ممن قالوا أن أوضاعهم الاقتصادية الفردية قد تدهورت بشكل أكبر مما كانت عليه قبل الثورات بين66% في سوريا وهي أعلى نسبة في المنطقة و11% في الجزائر وهي أدنى نسبة. ويقول49% من المشاركين في مصر و30% في تونس أنهم تأثروا بشكل سلبي جراء ذلك. وفي ما يخصّ بلدان الخليج العربي، وباستثناء البحرين، فان نسب المهنيين المشاركين الذين ذكروا أن وضعهم الاقتصادي متدهور اليوم متقاربة: بين30% في الإمارات العربية المتحدة و22% في السعودية و24% في قطر و29% في عُمان و25% في الكويت؛ في حين أعرب55% من المشاركين في البحرين أن وضعهم هو الآن أسوأ من ذي قبل.
ويمكننا أن نلاحظ الآثار السلبية للربيع العربي على جميع فئات الأعمار والمستويات الاقتصادية. الا ان34.44% من المهنيين الذين يعملون في القطاع الخاص صرحوا أنهم تأثروا سلبياً مقابل20.22% من العاملين في القطاع العام. وبالرغم من هذا التفاوت، أظهرت الدراسة أن المهنيين لم يعودوا معتمدين على الحكومة كموفّر رئيسي لفرص العمل. وأعرب حوالي ثلث المشاركين في الدراسة في معظم البلدان عن تفضيلهم للعمل في القطاع الخاص، وأتت النسب كالتالي:71% في الأردن و74% في لبنان و70% في سوريا و68% في مصر و66% في السعودية و75% في البحرين و48% في تونس و51% في المغرب. أما في الجزائر وقطر، ففضّل35% و39% من المهنيين على التوالي العمل في القطاع الخاص.
وقال سنديب شهال، الرئيس التنفيذي لشركة Yougov: "في حين أن تأثير الركود جليّ وواضح، توجب على قطاع الأعمال في الشرق الأوسط التعامل أيضا مع تأثيرات الربيع العربي الحديث. ويَعتبر الجزء الأكبر من البلدان أن أوضاع التوظيف على الصعيد الفردي والأعمال تتساوى في ما بينها؛ إلا أنه في البلدان الأكثر تأثراً بالربيع العربي، مثل البحرين ومصر وسوريا، فظروف العمل أكثر تدهوراً من ذي قبل على الصعيدين الفردي والمحلي بشكل عام ".
وكشفت الدراسة أن غالبية المشاركين على اطلاع بمصطلح "ريادة الأعمال" (29% فقط يجهلون ما هو). وفي المتوسّط، يُلاحَظ أن هناك مستوى أعلى من التعرّف على هذا المصطلح في دول الخليج، حيث أن نسبة22% من المشاركين في الإمارات وعُمان والكويت على علم جيد به، تليها نسبة20% في قطر والبحرين.
ومع ذلك، لا تزال معظم الشركات الجديدة في المنطقة تواجه الفشل. وذكر44% من أصحاب الأعمال في مصر و45% في الأردن و57% في عُمان و50% في السعودية، أن أداء أعمالهم الحالية ليس جيداً؛ ففي كلّ دولة شملتها الدراسة باستثناء قطر، قال أقل من20% من المشاركين أن أعمالهم تسير بشكل جيد. وعند السؤال عن الأسباب الرئيسية التي تحول دون تأسيس المهنيين مشاريعهم الخاصّة، أتت الإجابات كالتالي: عدم توفّر الدعم المالي، وعدم القدرة على التمويل الذاتي، والخوف من الفشل. ومن الأسباب الأخرى، ذكر المهنيون حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، والافتقار إلى مهارات ريادة الأعمال، والقوانين الحكومية الصارمة.
وبغض النظر عن انخفاض معدلات النجاح، هناك اهتمام واسع النطاق في ما يخص ملكية الأعمال التجارية؛ ففي كلّ البلدان التي شملتها الدراسة، هناك نسبة عالية من المشاركين ممن ذكروا أنهم يفضّلون العمل لحسابهم الخاص أو أن يكون لديهم مشروعهم الخاص إذا ما خُيّروا. وقد أعرب40% من المشاركين في الدراسة عن اهتمامهم بالعمل لحسابهم الشخصي، حيث كانت أدنى نسبة في الجزائر مع29% وأعلاها في لبنان مع52%. وأما بشأن الأسباب، فذكر50% من المشاركين أنهم أسسوا مشاريعهم الخاصة لأنهم أرادوا استقلالية أكبر؛ أما السببين الثاني والثالث فمرتبطين بالحاجة الإقتصادية: قال27% أنهم قاموا بذلك لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على وظيفة في ذلك الوقت، و20% بحثا عن دخل أعلى.
ومن جانبه، قال ربيع عطايا، الرئيس التنفيذي لشركة Bayt.com: "تُظهر بياناتنا أن الدافع لأكثر من ربع رواد الأعمال في الوطن العربي لتأسيس شركاتهم ومشاريعهم الخاصة كان عدم توفر فرص العمل. ونتيجةً للتحديات الاقتصادية الحديثة في المنطقة، ينبغي علينا أن نتوقّع نمواً متزايداً في مجال ريادة الأعمال، باعتبارها وسيلةً لتحسين الدخل ولمساهمة قطاع الشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم بشكل متزايد في توفير فرص عمل جديدة. ونحن في Bayt.com، لا نعمل على توفير عدد كبير من فرص العمل وحلول التوظيف لتأمين التواصل بين الباحثين عن عمل وأصحاب العمل فحسب، بل نعمل على تمكين عملائنا أيضاً من خلال إمدادهم بأحدث البيانات المتعلّقة بحركة التوظيف والإقتصاد في المنطقة".
ويبدو أيضاً أن المشاركين منفتحين لفكرة العمل في مجال المشاريع الإجتماعية. وبشكل عام، كانت أعلى نسبة من المشاركين غير المهتمين لهذا المجال في دول الخليج، مع حوالي17% في الكويت وعُمان وقطر و20% في الإمارات. وذكر الأفراد الذين يرغبون في تأسيس منظّمات غير حكوميّة أن العوامل الرئيسية التي تعيق تطوّر المشاريع الاجتماعية، هي أنه هنالك الكثير من التحديات، في ظل النقص في التمويل والتدخّل الحكومي وصعوبة تسجيل تلك المنظمات. وفي الواقع، قال54% من المشاركين أنهم لم يتمكّنوا من تأسيس المنظمة غير الحكومية التي أرادوها.
وقالت د. لينا الخطيب، مديرة برنامج الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي في جامعة Stanford: "ان ريادة الأعمال هي إحدى السبل التي يمكن من خلالها تلبية الحاجة لخلق فرص عمل في القطاع الخاص في العالم العربي؛ إلا أنه لا يمكنها أن تزدهر إلا إذا تم اتّخاذ التدابير اللازمة لحلّ المشاكل التي تواجهها. ويمكن لمجتمع التنمية الدولية أن يستفيد من الفرصة لتعزيز هذا القطاع، وذلك من أجل المساعدة في هذه العملية".
وقد تم جمع بيانات الدراسة التي أجراها موقع Bayt.com وجامعة Stanford وشركة Yougov في ما يخص ريادة الأعمال والربيع العربي، عبر الإنترنت خلال الفترة ما بين22 ديسمبر2011 و16 يناير2012، مع12518 مشترك من دول الخليج (الإمارات والسعودية والكويت وعُمان وقطر والبحرين)، ودول بلاد الشام (لبنان وسوريا والأردن) وشمال أفريقيا (مصر والمغرب والجزائر وتونس).