ذكر الكاتب الكوميدي الساخر (جيروم كيه جيورم) الذي عاش في العصر الفكتوري للمملكة المتحدة في رائعة أدبية له تدعى (ثري من إن أي بوت) أو ثلاثة رجال في قارب: "أحب العمل و أعشق مشاهدته لساعات". عند قراءة هذا الكتاب، لا بد للمرء أن يلحظ عشق هذا الكاتب لعمله ككاتب ساخر من خلال الطاقة و الحيوية التي كتب بها النص. يذكرنا نجاح هذا الكتاب لوقتنا هذا بشكل واضح بثمار الإخلاص في العمل و التفاني في تنفيذ الواجبات التي هي من المقومات التي تجعل عمل ما مخلدا لأبعد حدا ممكن.
إن الخلود ليس الغاية التي ينشدها معظمنا من القيام بأعمالنا و واجباتنا بل هي النشوة التي تنجم عن التركيز التام على العمل الذي ننفذه و الذي نرغب بالقيام به فعلا. يكمن السؤال هنا في كيفية مضاعفة الشركة حجم إنتاجية موظفيها الذين يتمتعون بهذه النظرة نحو أعمالهم؟
قليلا ما يفوت المدراء التنفيذيون في الشركات الفرصة لتذكير سامعيهم أي كانوا و أنفسهم كذلك بأن الطاقم الوظيفي الذي تمتلكه الشركة هو أعظم ثروة لها. تماما كما هو الحال في الإقتصاديات الرفيعة المستوى التي تعمل بها الشركات التي توفر لكل موظف فيها القدر المماثل من التكنولوجيا العالية الجودة و التي يحتاج موظفيها المساهمة بالمثل بشؤونهم المالية و أملاكهم و غيرها من موارد آخرى، أصبح أمر معلوم و مسلم به أن الطاوقم الوظيفية التي تعمل في الشركات هي أهم العناصر التي تساعدها على السيطرة على رقعتها التنافسية.
تقع المشكلة هنا بعدم ضرورة تطبيق معظم الشركات لهذا النهج الفكري في مماراساتها بإتخاذ جميع الخطوات اللآزمة لضمان رغبة كل عضو في طاقمها الوظيفي من القيام بواجبه الوظيفي بأفضل وجه يقدر عليه. يمكن لعملية إستنزاف الطاقة و الروح المعنوية للموظفين أن تبدء في مراحل مبكرة جدا، حيث قد تبدء مع إستئنافه للعمل في وظيفته. قد تكون في أحيان كثيرة مرحلة المقابلة الأولية التي ساعدت العديد من الأشخاص لكسب وظيفتهم هي بمثابة أكثر تجربة إيجابية و مثالية خاضوها في حياتهم العملية في الشركة و التي في الغالب ما يأتي بعدها منحدر سحيق في معنوياتهم.
لا يعد هذا الأمر مأساويا فقط بالنسبة للموظفين لكنه كذلك بالنسبة للشركات التي يعملون بها هؤلاء الموظفين. إن الشركة التي لا يتمتع طاقمها الوظيفي بالإلتزام و العطاء الدائمين لا يمكن لها التألق أبدا. لكنه لحسن الحظ زاد عدد الشركات التي أصبحت تطبق جميع الخطوات اللآزمة لضمان بذل الموظفين لقصار جهدهم عند آدائهم لواجباتهم العملية و خاصة تلك الشركات العاملة في قطاع الخدمات الذي يعد من أهم القطاعات. هذا هو الحال ذاته في الشركات الآخرى التي تطبق هذا النهج الفكري، يعتبر أيضا تطبيق هذا النهج من الأمور الواجبة على تلك الشركات التي لم يخطر هذا التفكير بذهنها.
مازل و في وقتنا هذا بعض المدراء التنفيذين الذي يعتقدون أن قبول الشركة التي يديروها للموظفين الذين يشكلون طاقمها الوظيفي هو سبب كفيل لأفراد الطاقم كلهم ليبذلوا أفضل ما عندهم. فهم يعتقدون أن النقود هي الحل الأوحد لجميع المشاكل، حيث أن منطقهم الإداري قائم على وجوب تحمل الطاقم الوظيفي لأي شئ ما دام كل فرد منه يتقاضى مبلغ مالي كاف ولا يوجد لإفراده أية مسوغات للتذمر و الشكوى.
بالتأكيد إن السبب الذي يدفع الأشخاص للعمل هو الحاجة لكسب العيش. لكن، كون الحاجة لكسب العيش هي السبب الأساسي الذي يعمل من أجله أغلبنا لا يفرض أن النقود هي الدافع و المحفز للناس الذي يجعلهم يقبلون على العمل لدى شركة ما فضلا عن آخرى.
بفضل الخبرة التي يكتسبها الناس مع مضي الزمان، يصبحون أكثر إستجابة للتأثيرات الآخرى الغير صادرة عن المصادر المالية في تحديد الأماكن المناسبة لهم ليعملوا بها. إن ذلك أمر صحيح و خاصة عند الأشخاص الذين يمتلكون الكفاءات العالية الذين يعرفون مقدار النسبة السوقية التي يتحكمون بها بالإضافة إلى غيرها من أفضليات. لا يمنع إختلاف الأسباب المحددة التي تدفع الأشخاص للعمل عن القيام بوضع ملاحظات عامة حول كيفية زيادة الدافع لدى الموظفين.
في أسواق العمل المعاصرة ليومنا هذا و التي أصبحت الغاية الأساسية لها التي هي توفير الآمن الوظيفي شئ من الماضي السحيق، زاد وعي الناس لضرورة مضاعفة قيمتهم الوظيفية. فمن أضخم و أهم الأسباب التي تدفع الناس إلى العمل و التي قد تفسر السبب الذي يكونون مندفعين لأجله لبذل أفضل ما عندهم هو كيفية ظهور الخبرة التي سيكتسبون في سيرتهم الذاتية.
كذلك، هم يتوقعون من الشركة التي يعملون بها أن تقدم لهم فرص للنمو و التطور المهني. فإذا لاحظوا غياب هذه الفرص، ستكون لديهم القابلية لتغير مكان عملهم إلى آخر إذا لم يتنابهم الشعور بالتطور.
في هذا الزمان و خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تخيم على سوق العمل بسب شيوع المنافسة بين كل من الشركات و الباحثين عن عمل الذين يتمتعون بأكثر الكفاءات تميزا، أصبح واجب الشركات فهم و إستيعاب فكرة أن فرص التدريب و التطور التي يقدموها إلى موظفيهم و خاصة المميزين منهم لن تصنع من الموظفين ثروة لا يمكن الإستغناء عنها فقط بل سيكون ذلك أيضا بمثابة الحافز لهم بالبقاء. بالطبع ستكون الشركات معرضة دائما لخطر ترك الموظفين لها آخذين معهم كل مهارة جديدة إكتسبوها. لكن، تكون قابلية ترك الأعمال الحالية لدى الموظفون الذين يعملون في شركات لا تهتم بتطوير موظفيها إلى جانب إمتلاكهم دافع ضعيف ليبقوا في الشركة أكبر. يعد ما سبق ذكره تناقضا، لكن لهذا التناقض يوجد حل سهل و هو قبول واقع ترك الموظفين في حال لم يتم العمل على تطويرهم و العثور على أساليب تزيد من رغبة الموظفين بالبقاء في شركتك.
لحسن الحظ، يوجد العديد من خطط العمل التي يمكن لك إتباعها حتى تقنع الناس بالبقاء في شركتك. كذلك، تستطيع أن تغير منهج إدارتك فيما إذا كان متمحورا حول فكرة أن الأموال هي العامل الأساسي الذي يحرك عملية صنع القرار لدى الناس بخصوص قبولهم للعمل في وظيفة ما أو هو العامل الذي يحدد رغبتهم بالبقاء بالوظيفة ذاتها بعد حصولهم عليها، حيث يعني ذلك وجود مجال كافي لدى الشركات لكي تعمل على بذل الجهود الواعية في تقديم الحوافز الغير مالية لموظفيها و التي يرغبون بالحصول عليها.
في النهاية، تعد جميع عناصر التحفيز الإيجابي التي تم ذكرها سابقا عوامل مساهمة في مستوى الإلتزام الذي يمتلكه الموظف تجاه وظيفته. أصبح مصطلح الإلتزام الوظيفي من المصطلاحات الشائعة على مستوى الشركات في يومنا هذا، و يشير هذا المصطلح إلى الإلتزام العاطفي و الفكري الذي يمتلكه المرء تجاه وظيفة محددة حتى يقدم لها أكثر جهوده تميزا. لا يصف ذاك الجهد بالذي يجده الموظف فرض عليه، بل هو الذي يرغب الموظف تقديمه من كل نفسه.
يعد مصطلح الإلتزام من المصطلاحات المفيدة و الصادقة بسب مدلولاته المتعلقة بأفكار عديدة منها الإخلاص، الإرتباط و حتى العاطفة. لكن يعد التفريق بين عملية تنمية الإلتزام لدى الموظفين و جعلهم يحبون عملهم بالإضافة إلى التفريق بين عملية التوظيف من الأمور الهامة جدا.
إن تنمية الإلتزام عند الموظفين هي أمرذو أهمية بعض النظر عن القدرة التي يمتلكها الفرد، إلا أنها تعد من أكثر الأمور أهمية عند الموظفين الذين يمتلكون القدرة لتولي المناصب الإدارية في الوقت الحالي أو في المستقبل. يتطلب تنمية الإلتزام لدى الموظيفين المميزين وضعه على مقدمة قائمة الأولويات عند الشركات لكونهم من أهم ثروات الشركة وأغلاها، لأنهم قادرون على العثور على مكان آخر يسد إحتيجاتهم الوظيفية و يرضي شعروهم رضاهم الذاتي.
الدكتور (تشارلز وودرف) هو المدير الإداري ل (هيومن أستس) و هي شركة إستشارات في مجال سيكولوجيا الأعمال كرست جميع نشاطاتها لإنشاء و تطبيق إستراتيجيات إدارة الناس في الشركات و خاصة في مجالات إختيار، تطوير و تنمية الإلتزام لدى الموظفين.