تروج رياح التغير السائدة في الشركات في الوقت الحالي نمط الإدارة الذي يبدء من قمة الهرم التنظيمي إلى قاعدته في البنية التنظيمة للشركة أو في برنامج مميزاتها. يشجع بعض الخبراء على تعين شخص لامع في الجناح التنفيذي للشركة لتحفيز التغير و و تنفيذه نهاية بأقل درجة في السلم التنظيمي. تكون الغاية من إدخال العناصر الجديدة و الفعالة هي نشر التغير في الشركة ليغطي أعماقها التنظيمية.
درس كل من (ستيوارت بلاك) و (هال غريغزرن) هذا الموضوع في كتابهم (إت ستارتس وذ ون) حيث يعتقد كليهما أن التغير يبدأ في أخذ مجراه في الشركات عندما يبدأ الموظفين الذين يحتلون المناصب العليا و الحساسة بتطبيقه. لهذا السبب يتطلب الأمر دراستهم ضمن وجهة نظر التغير.
"لاحظنا إمتلاك المدراء لعقلية موحدة عبر عملنا معهم: أي عند تفكيرهم بموضوع التغير، نجد أنه من السهل لديهم التركيز على كافة الأمور الغير شخصية مثل الأنظمة و الشكل العام و التنظيم" هكذا أفصح (هال غريغرسن) في مقابلة له مع موقع (نوليدج) الإلكتروني التابع للمعهد الأروبي لإدارة الأعمال. "لكن عندما تدفع مدرائك للتفكير في تغير الأفراد الذين يحتاجون إليه، تقفز أنت بذلك إلى موضوع آخر ... إذ يقل المجهود الفكري هنا الذي يدخل في الأمور المتعلقة بالإنظمة و التعليمات و يتضاعف المجهود الفردي المبذول من قبل أشخاص حقيقين يعملون على إحداث التغير" قال (غريغرسن).
يوافق (ستيوارت بلاك) على ضرورة بدء التغير عند الأفراد المهمين أولا. يشير (بلاك) إلى أن نسبة عمليات التغير التنظيمية الناجحة لا تتعدى ال30% و بين أن نسبة الأخفاق التي بلغت ال70% ليست ناتجة عن إفتقار المدراء للذكاء بل هي ناتجة عن ضرورة وجود تنظيمي مؤدي إلى عدم نجاح التغير التنظيمي. قال بلاك موضحا "يبدأ التغير الحقيقي عندما تبدء بالتركيز على الأفراد الذين ترغب في تغيريهم، يبدء عند تركيزك على السبب الذي يدفعك لذلك و الطريقة التي ستنفذ فيها ذلك التغير و نظرتهم إلى هذا التغير". يبين (بلاك) قائلا "لا توجد لك ضمانة على حدوث أي تغير إذا لم تؤثر على الأفراد".
مدح كلا (بلاك) و (غريغرسن) ذكاء الموظفين قائلين أنهم سيجدون طريقة ما حتى تمكنهم من التصرف بنفس الطريقة السابقة مهما كانت التغيرات التي أدخلتها على البنية التنظيمية. قال بلاك "الناس أذكياء لأنهم يعلمون ما هو الشئ الجديد و هم يعلمون أنهم لن تقنوه منذ البداية. يفضل العديد من الناس أن يكونوا سيئين في تنفيذ الشئ الخاطئ بدلا من الشئ الصحيح". أيضا، يعتقد كل من المؤلفين أن العديد من المدراء ينسون صعوبة التلاعب بالأشخاص عبر "المؤثرات الكبرى" مثل التنظيم و الزيادات في رحلتهم للتغير.
يذكر الكتاب ثلاثة أمور يجب حدوثها في الشركة قبل إدخال التغير: معرفة فيما إذا كان هناك حاجة للتغير ثم المضي نحو الحصول على موافقة لإحداث هذا التغير و أخيرا إتمام تنفيذ التغير. المفتاح لذلك كله يقع عقلية و طريقة تفكير المدراء و تنظيم الموظفين و رتبهم.
في سيرة من السير العديدة التي يتطرق إليها الكتاب، يذكر (غريغرسن) سيرة مصنع لتعليب اللحوم حيث حاول مديريه تغير نمط الإدارة الذي يبدء من قمة الهرم عبر السماح لعديد كبير من المعلومات و البيانات الصادرة عن العمال العاديين الدخول في واجبات تعرف بإنها واجبات خاصة بالإدارة العليا مثل التنظيم. وقف في إجتماع للموظفين لحام و أشار إلى أنه يعتبر تلقيه للأوامر من مديره هو حق من حقوقه. إذا لا يعد التغير موضوعا يخص المدراء الذين يرغبون في تطبيقه حيث يوجد العديد الكثير من التحديات التي ستنشأ بسب عدم سماح طريقة تفكير العاملين في الشركة للتغير أن يأخذ مجراه.
يقول (بلاك) إن الإخفاق في ملاحظة الحاجة للتغير شائعة جدا و يضيف مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى فشل ما نسبته30% من جهود إدخال التغير على الشركات. يقول أيضا أن الأمر يفوق إعتياد الناس على الأنماط القديمة "يعتاد الناس على القيام بشئ ما بنمط محدد لأنهم يكونون ناجحون فيه". فهؤلاء الأشخاص يمتلكون مخططات ذهنية تخص كيفية آداء وظيفتهم و يمتلكون تلك المخططات لسبب واحد و هو نجاح هذه المخططات. كلما حققت هذه المخططات النجحات لفترة طويلة كلما زاد تمسكهم بها و زادت منطقيتهم". أضاف بلاك قائلا "مالم توفر تبايين ضخم بشكل كاف و توفر لهم تجربة مثيرة لن تستطيع كسر العادات القديمة و عندها تخفق مجهوداتك لإدخال التغير".
أشار (بلاك) موضحا على هذه النقطة إلى أنجح شركات تصنيع السيارات في العالم : (تويوتا). منذ سنين حاول موظفيها التنفيذين الأمريكيين مرارا و تكرارا إقناع المكتب الرئيسي للشركة في العاصمة اليابانية توكو بضرورة الدخول في سوق سيارات (البيك آب) الأمريكية المربح. كان يعتقد المكتب الرئيسي في توكيو أن هذا السوق هو عبارة عن وسط لرعاة البقر و عمال البناء. بعد كثير من التردد، سافر المدراء الإداريون لشركة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور مبارة لكرة القدم الأمريكية. قبل المبارة، قاموا بالتجول في أرجاء موقف السيارات الضخم و شاهدوا الآلآف من سيارات تويوتا العادية تقع في مؤخرة الموكب وراء السيارات الكبيرة ذات الدفع الرباعي. عندها، تغير نمط التفكير الإدارة اليابانية بشكل فوري حيث أدى ذلك بالنهاية إلى إطلاق طراز (تندرا) واحد من أنجح طرازت شركة تويوتا، هكذا وردت هذه القصة على لسان (بلاك). يقول بلاك "نحن نرى الأشياء بوضوح عندما تكون أمامنا، لذا عليك مواجهة الأشخاص بشئ من الإثارة و التباين. كلما زادت الحواس التي تثيرها كلما نجحت في جعل الناس يقبلون التغير".
يكمن التحدي الذي يقع وراء ملاحظة الحاجة للتغير هي جعل الناس يسيرون وفق التغير و إنهاء العملية. لنفكر في حادثة الأمتعة التي جرت في المبني رقم5 من مطار هيثرو في المملكة المتحدة و التي ضاع فيها عشرات الآلاف من الأمتعة بعد إفتتاح المبنى المزدحم. يقول (غريغرسن) أنه كان بمقدور الإدارة رؤية المشكلة لكنها فشلت في دراسة قدرات الفرد الذي ينقل البضائع من النقطة أ إلى ب في وقت قصير. يرى (غريغرسن) أن "يقع التحدي في جعل الناس قادرون على القيام بشئ ما كان يظنون أنهم لا يمتلكون القدرة على تنفيذه". أضاف قائلا أيضا "إذا كان ذلك شئ جديد لم يجرب من قبل، تكون الإجابة التقليدية هي إني لست جيدا في ذلك. لكن عندما يرى المدراء الحقيقة يفرض أن الجميع قادرون على إتقان شئ بدقة. ذلك ليس الأمر ببساطة".
عند نهاية المطاف، تعبر الإدارة العليا هي الجهة التي تحدد نجاح أو فشل مجهودات التغير. يشير (غريغرسن) إلى أن ذلك يعتمد على حجم و مدى التغير حيث يمكن للتغير أخذ وقت طويلا ليأخذ مجراه لكن يعتمد نجاح التغير على الدعم الشخصي. إذا ساعد المدير موظفيه في رؤية الحاجة للتغير و قام بمنحههم القدرة على إستئناف التغير لكنه لم يكن مهتما بالأصل في هذا الموضوع، لن تنجح مجهوداته. يعتقد (غريغرسن) أن الموظفين يكونون بحاجة إلى الدعم الأكبر في مرحلة التنفيذ. بين (غريغرسن) قائلا" تكون الحاجة في مرحلة النهاية ضرورية جدا إلى بطل يكون له دور حساسا بالقرب في المرحلة التي يكون فيها الموظفين التنفيذين جاهزون للإستسلام. يساعد إمتلاك هذا النوع من الدعم المحلي الناس على تشجيع الناس حتى يتقنون الأسلوب الجديد في تنفيذ الأشياء".
SOURCE: INSEAD